في ظل ما بات العالم يواجهه من أزمة اقتصادية ومالية طاحنة أثرت على كل اقتصادات الدول في أرجاء العالم، فإن الحكمة تفرض على الجميع في اقتصادنا الوطني العمل بروح من التكاتف لتجاوز الآثار السلبية لهذه الأزمة الاقتصادية العالمية وعدم السماح بإضافة أية أعباء أو مشكلات يمكن أن تؤثر على استقرار ونمو الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، فإن إصرار هيئة تنظيم سوق العمل على تطبيق سياسة السماح بحرية تنقل العمال بين شركات القطاع الخاص هو أمر ينذر بأشد العواقب على مسيرة الاقتصاد الوطني لأنه يهدد بإحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في سوق العمل.
فمن حيث المبدأ، فإن علاقة العمال بأصحاب الأعمال والتجار تحكمها العقود القانونية وهي علاقة لابد أن نسعى لترسيخها وتعزيزها احتراما للقوانين وتدعيما لبيئة عمل تتسم بالاستقرار وتساعد على النمو والازدهار.
فإذا شعر العامل بأنه يستطيع في أي وقت الإخلال بعقد عمله المبرم مع صاحب العمل، وتركه للانتقال إلى كفيل آخر أو شركة أخرى، فإن هذا سيؤدي إلى إضعاف احترام عقود العمل من ناحية، وسيقود إلى حالة من الصراع بما يشبه “الحرب المفتوحة” بين أصحاب الأعمال لاجتذاب وسلب العمالة الماهرة من الشركات المنافسة بأقل قدر من الإغراءات من ناحية أخرى.
فلمصلحة من يتم إفساد العلاقة بين أصحاب الأعمال وتسميم الأجواء في مناخ سوق العمل في اقتصادنا الوطني الذي يظل اقتصادا صغيرا لا يتمتع بسوق واسعة كما هو الحال في كثير من الاقتصادات الخليجية المجاورة؟!
إننا يجب أن نعترف بالحقائق القائمة في سوق العمل، وهي أن أصحاب الأعمال مازالوا بحاجة إلى العامل الأجنبي ذي المهارات غير المتوافرة في السوق المحلي، وان أصحاب الأعمال يبذلون جهودا مضنية للحصول على العمالة الكفوءة المطلوبة، ولذلك يصبح عبثيا وأمرا بالغ الضرر بعد ذلك أن تسمح القوانين المراد تطبيقها بحرية انتقالهم إلى أعمال وشركات أخرى في القطاع الخاص من دون مراعاة للجهد الذي بذله صاحب العمل في الاتيان بهذه العمالة المناسبة لنشاطه.
وفي هذا الإطار، كان يمكن تفهم إمكانية السماح بحرية انتقال العمالة لو أن السوق المحلية ذاخرة بالعمالة البديلة المناسبة التي تتمتع بذات القدرات والكفاءة.
لكن واقع الحال يشير إلى أن هناك نقصا في العمالة المحلية المطلوبة نتيجة نقص التدريب، وعدم إقبال العمالة المحلية على العمل في قطاعات معينة، وعدم استعدادها حتى للقبول بالتدريب عليها، مما يؤدي الى استمرار الفجوة بين حاجات أصحاب الأعمال لعمالة بمواصفات وقدرات معينة، وبين قدرة السوق المحلية على توفير ذلك.
وهذه حقائق يجب أن نعترف بها وألا نمارس سياسة النعامة بدفن الرؤوس في الرمال وعدم الرغبة في رؤية الواقع كما هو، بعيدا عن الشعارات والأوهام.
ولهذا، فإننا نرى ان من واجب جميع الأطراف أن تسعى إلى حماية القطاع الخاص في بلادنا ليظل يمارس دوره في التنمية، وعدم التفكير في إيجاد ثغرات أو أنظمة عمل تقود إلى ايجاد مشكلات أو عوائق في طريق أداء دوره في مسيرة الاقتصاد الوطني.
وتزداد أهمية حماية دور القطاع الخاص في ظل واقع محدودية سوق العمل، وحقيقة الحجم الصغير لاقتصاد البحرين مقارنة بالدول المجاورة، وهو ما لا يسمح بتطبيق أي أنظمة عمل تتسم بالمغامرة قد تؤدي إلى خسائر لكثير من أصحاب الأعمال وقد ينجم عن ذلك إفلاس بعض الشركات خاصة أنه لا يوجد من يمكن أن يقوم بتعويض أصحاب الأعمال عن خسائرهم كما يحدث في اقتصادات الدول الأخرى.
ولهذا، فعند التفكير في تطبيق أية قوانين أو أنظمة عمل جديدة يجب دراسة الواقع الاقتصادي من جوانبه كافة، ومراعاة مصالح كل الأطراف وخاصة رجال الأعمال الذين يقومون بدور ريادي في المبادرة إلى فتح استثمارات جديدة تسهم في تدفق الحيوية الى سوق العمل.
ومن هنا، فإننا ندعو إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وخاصة في منطقة الخليج، ففي الكويت الشقيقة عندما تم إلغاء نظام “الكفالة”، سعت الدولة إلى إعادة تنظيم سوق العمل وإيجاد قوانين جديدة تكفل مصالح كل الأطراف بروح من العدالة والمساواة والإنصاف.
إن البعض يزعم انه عندما يسعى إلى تطبيق مبدأ السماح بحرية انتقال العمالة إنما يسعى لمواكبة مقررات المنظمات الدولية وخاصة منظمة العمل الدولية، وهنا علينا ألا ننساق وراء كل ما تطرحه تلك المنظمات الدولية من سياسات تحمل شعارات براقة، ولا تنطوي على دراسة واقعية لأحوال المجتمعات وظروفها الاقتصادية، وبعض هذه السياسات التي طرحتها تلك المنظمات أدت إلى أزمات طاحنة لاقتصادات بعض الدول وقادت الى انهيار اقتصادات أخرى.
والحقيقة المؤكدة أن “ليس كل ما يأتي من الغرب يسر القلب”!
وأخيرا، فإننا نرى أن المسئولية الأولى في التصدي لهذه المشكلة تقع على عاتق غرفة التجارة والصناعة وطاقم إدارتها الحالي، فهي أقرب الأطراف لمعرفة أوضاع أصحاب الأعمال وأحوال الاقتصاد الوطني معرفة موضوعية.
لكننا نستغرب ذلك الموقف السلبي الذي تتخذه غرفة التجارة والصناعة ازاء هذه المشكلة، حيث تلوذ بصمت غريب وسكوت مريب!