تجاهات
فيصل الشيخ
صدقوني، لست من هواة المسلسلات المكسيكية، لكن بشأن هيئة تنظيم سوق العمل، مستعد أن أتعاون مع المخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ لإنتاج أضخم مسلسل يحطم الأرقام القياسية في عدد حلقاته، لا لشيء، ولا سعياً للاستقواء على الهيئة، بل من دافع رفض لما تموج به من أخطاء وحالات تسيب وفساد، يضاف إليها صمت مريب وغريب، لكنه متوقع، من جانب رئيس مجلس إدارة الهيئة صاحب وعود فتح التحقيق، والتي نعلم أن شيئاً منها لم يحصل، إذ كيف يفقأ الشخص عينيه بأصابعه؟! ليسمح لي مجيد العلوي الوزير الحالي المعارض السابق بأن أقول إن ثقتنا فيه تزعزعت تماماً، وإنه حتى الآن يثبت بأن المقابلة التي أجريت بناء على مساعيه الالتقاء بنا والحديث بشأن ملاحظاتنا عن الهيئة، ما كانت تهدف إلا إلى تهدئة الوضع وقيادة قلمنا إلى زاوية الصمت، وهنا مسألة نبينها بكل صراحة، وحتى أنني أوصلتها بصورة مباشرة لبعض مسؤولي مجلس التنمية الاقتصادية خلال اجتماع مثمر وطيب جمعنا بالأمس، بأن هذا المشروع الذي يقف وراءه سمو ولي العهد حفظه الله لن نقبل له بالفشل أبداً، وهنا سأزيد وأقول بأن من لا يكون أهلاً للمسؤولية، ولا أهلاً لتنفيذ وعوده وتصريحاته مع جلوسه على كرسيه الوثير، أو رافضاً لممارسة دوره الرقابي المطلوب منه، فإن الإقرار بالعجز والضعف حينها سيكون ”بطولة له”، وأن يقر بأنه عاجز تماماً عن تنظيف قطاعه المسؤول عنه. لا شيء شخصي أبداً مع الأخ العلوي، بل نتفق كبشر وله الاحترام، لكن في العمل نتعامل وفق ما تفرضه المسؤولية، وهنا بودي أن يثبت لنا الأخ العلوي بأنه بالفعل حريص على مصلحة البلد، وساع لتعديل وتنظيف القطاعات المسؤول عنها من حالات الفساد.
ورجاء بلا تكرار لأسطوانة تقليص أعداد العاطلين وإنهاء البطالة، إذ عرفنا من كثر التكرار أنه ”البطل” الذي حقق ذلك، والآن ”البطولة” تتطلب أن تبرز فيما سيفعله الرئيس في الهيئة التي لم تصلح سوق العمل، بل وصلت لأن تخرب نفسيات العديد من موظفيها، إضافة لقيادة سوق العمل وعديد من قطاعاته إلى التشنج، والوصول لمرحلة نقرأ فيها ”مانشيتات” عريضة في الصحف على لسان التجار والمعنيين يطالبون وبكل صراحة بأن يتم ”إلغاء هيئة تنظيم سوق العمل”.
هذه المطالبة بالتأكيد لا ترضي سمو ولي العهد، لأنها تقود إلى قناعة أكبر من أن المشروع ”انحرف” عن مساره، إذ هو بحسب ما يتردد في أوساط الناس والمعنيين (ورجاء لا تلغوا صوت الناس وتعتبروهم كجماد لا يهم رأيه كما حصل السبت الماضي في ورشة الهيئة) فإن المشروع متجه إلى انهيار تام. لا أختلف على العديد من القوانين التي تسعى الهيئة لإرسائها، لكنني أقول بلسان المثل الدارج ”امش صح يحتار خصمك فيك”، بمعنى أنه لو كانت آليات تطبيق العمل بطريقة صحيحة واحترافية وبناء على وجود أشخاص مؤهلين ومتخصصين (لا حبايبنا وقرايبنا) فإن الحال سيكون أفضل مما هو عليه الآن.
لنتحدث عن حالة من الحالات العديدة التي تصلني بشأن الهيئة، إذ تخيلوا أن يقوم أحد المدراء (الذين امتدحهم رئيس مجلس الإدارة بعنف) بتأسيس نظام للبحرنة يهدف إلى إحداث التوازن بين نسبة العمال البحرينيين والأجانب، مثال أن يحظى قطاع الإنشاءات من الدرجة الثالثة بنسبة 8٪ من العمالة البحرينية حتى يحق له طلب الحصول على السقف الأعلى المحدد للعمالة الأجنبية، والذي كان محدداً سابقاً في وزارة العمل بـ15 عاملاً. والآن في خلال الشهور التسعة الماضية من (1-7-2008 إلى 1-4-2009) أصبحت المعادلة مبنية على علاقة طردية بمعنى ”بقدر ما تقوم بتوظيف بحرينيين تحصل في مقابل ذلك على عمال أجانب دون تحديد سقف”، ما يعني فتح الباب على مصراعيه لنشر عمال ”الفري الفيزا”، وهي الظاهرة التي يفترض أن تحارب، لا أن يتم اختراع باب خلفي في النظام لتدخل منه.
مثال على ذلك متمثل بوجود عديد ليس بالقليل وبالعشرات من السجلات التجارية التي استفادت من هذا الخطأ الفادح في جلب العشرات بل لا نبالغ إن قلنا المئات من العمالة التي لا توجد حاجة فعلية لها، والتساؤلات هنا: ”في ظل الأزمة الاقتصادية الشرسة والمتضرر الأكبر فيها قطاع الإنشاءات، هل من المنطقي أن يتم فتح السقف بدون تحديد؟! وكم عدد العمالة التي دخلت البحرين فعلياً وتم تسجيلها وإصدار تصاريح لها في الفترة المعنية؟! وما هي الإجراءات المتبعة للقضاء عليها كعمالة سائبة؟! هذا لو سلمنا وفرضنا جدلاً بأنهم -أي تلك العمالة- سوف يقوم الجالبون لهم باللجوء إلى الهيئة بعد سنتين من قدموهم لتجديد تصاريح عملهم؟!”، طبعاً ناهيكم عن التساؤل بشأن مستوى جدية فرق التفتيش في هذا الخصوص.
المثير أنه منذ 2 أبريل الحالي قام المدير صاحب الفكرة ”الخطيرة” بتحديد سقف 20 عاملاً لقطاع الإنشاءات في الدرجة الثالثة، الأمر الذي يثير الاستغراب بشأن مدى أهلية مَن يضع سياسات الهيئة، بحيث ينتبه بعد 9 شهور كاملة لفداحة ما تسبب به.
طبعاً هذا ما يبرر سبب هيجان بعض رجال الأعمال الملتزمين بالقانون في ورشة السبت، إذ هم تضرروا مما حصل، في وقت أدخل فيه آخرون العشرات من العمالة إلى البلد.
هذه قضية خطيرة تستوجب أن يتم الوقوف عندها، أما المسألة الأخرى التي تثير الريبة والشكوك هي المعنية بمدى استطاعة أي شخص الاستفادة من الثغرات في النظام لتسليك أموره وتسييرها في حال كان هناك مَن يسنده ويمرر له أموره من داخل الهيئة، خاصة إن كان ذا قربى، وبمنطق ”الأقربون أولى بالمعروف”.
لدي أوراق في يدي، تبين أن أحدهم صاحب سجلات قريب جداً في النسب من أحد المتنفذين في الهيئة، قام بالاستفادة من النظام الخاطئ وجلب ما يفوق مائة شخص سواء عن طريق نظام ”التعهدات الرهيب” الذي أنشأته وزارة العمل، وهو نظام واضح أنه يلتف على مسألة البحرنة ويناقض المشروع الوطني للتوظيف جملة وتفصيلاً.
هذا الشخص استفاد من نظام التعهدات الشبيه ”ببيع السمك في البحر” بمعنى تعهدك توظيف العمالة البحرينية وتوقيعك على التعهد ليفتح لك المجال لجلب العمالة الأجنبية حتى وإن لم تمتلك موظفاً بحرينياً واحداً حينها، إضافة لاستفادته من وجود قريبه في الهيئة وسابقاً بالوزارة لتمرير طلباته مع العلم بأن سجلاته التي يمتلكها جميعها توجد عليها مخالفات، أي محظورة في التعامل والاستفادة من خدمات الهيئة.
رقم السجل موجود، والأوراق موجودة، والكشوف التي تبين المخالفات وتواريخها موجودة أيضاً. بالتالي التساؤل هنا، أيعقل أن يحصل مثل هذا في هيئة وجدت لتؤسس بنية تحتية للاقتصاد الوطني وتنظيم سوق العمل، وجعل البحريني هو الخيار المفضل بالنسبة لأصحاب الأعمال؟! كل هذا يحصل، وما خفي أشنع وأعظم، ورغم ذلك يقول رئيس مجلس إدارة الهيئة بأنه لا يرى وجوداً لأية حالة من حالات الفساد؟! ومازال الرئيس التنفيذي للهيئة من جانب يتغنى برسوماته البيانية ونشراته الداخلية وإنجازاته العديدة، والتي رغم كثرتها مازالت القناعة موجودة بأن المشروع ”انحرف” أيما انحراف عن مساره.
نقطة نضعها آخر السطر، ونقول قبلها، المزيد آتٍ، حتى تعود الهيئة لمسارها الصحيح.