اتجاهات
فيصل الشيخ
أمس الأول نقلت لنا وكالة أنباء البحرين خبراً عن لقاء بين سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية مع وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الدكتور مجيد العلوي، تم فيه إطلاع ولي العهد على آخر المستجدات التي تجري في سوق العمل. يأتي هذا الخبر في وقت مازلنا ننتظر فيه نتائج التحقيق الذي وعد بفتحه الدكتور مجيد العلوي عبر صفحات ”الوطن” في المقابلة المطولة التي أجريت معه، وتم فيها الحديث عن العديد من الملاحظات بشأن الهيئة والتي تدخل في إطار التجاوزات الإدارية وحالات الفساد ومساعي البعض لتعزيز مسألة التوظيف الطائفي في الهيئة. طبعاً مازلنا ننتظر تحركات الوزير ونتائج جهوده التي لا نشكك فيها في إطار محاربته للفساد، وبالأخص محاربته للطائفية التي أكد -خلال المقابلة- رفضه لتكريسها في أي قطاع، واعتبر مَن يروج لها إنساناً متخلفاً، وهنا أوضحنا له وبينا له بالاسم مَن هو الموظف المسؤول لديه في الهيئة الذي قال جملته الشهيرة الداعية لتعزيز الطائفية، بالتالي ما يفترض من العلوي أن يقوم به هو محاربة هذا ”التخلف” ومحاسبة مَن يسعى لتكريسه بداخل الهيئة. الخبر يقول إن العلوي أطلع سمو ولي العهد على آخر المستجدات في هيئة تنظيم سوق العمل، وهنا نثق أن العلوي كان ”أميناً جداً” في ما أوصله لسمو ولي العهد من ملاحظات. أثق بحكم معرفتي بالعلوي المعارض السابق الوزير الحالي أنه أوصل لسمو ولي العهد الملاحظات التي أوصلناها له، وبين له بأن هناك كفاءات تخرج من الهيئة آخرها أحد نواب الرئيس التنفيذي الذي غادر الهيئة بعد أن عانى فيها، وقبل آخر يوم لرحيله تحصل على عرض براتب يصل إلى 6 آلاف دينار وبدلات مغرية وعديدة من جهة عمله الجديدة، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كان شخص تلاحقه الشركات والمؤسسات لتمنحه مثل هذه العروض المغرية كفاءة أم لا؟! بالتالي لم لا تتمسك الهيئة بمثل هؤلاء بدلاً من زرع الإحباط في نفوسهم، وجلب موظفين محسوبين على فلان وعلان. هل أتحدث هنا عن مساعي الهيئة لتطبيق القوانين المعنية بها، أو الرسوم التي تفرضها بناء على أهدافها المرسومة؟! شخصياً لا أميل إلى ذلك، لقناعة أن النظام وجد ليصلح وضعاً مختلاً، لكن حين ”يختل” النظام برمته، فإن المشكلة هنا لن تكون بالرسوم أو القوانين، بل بالأدوات التي تطبق النظام، وأعني هنا مَن يديرون المشروع ومدى قدرتهم على التلاقي مع أهدافه، وهي المسألة التي رفض العلوي في مقابلته أن يحملها الجهاز التنفيذي ملقياً بالتبعة على مجلس التنمية الاقتصادية، هذا المجلس الذي مازلنا ننتظر منهم أيضاً تزويدنا بوجهة نظرهم على ما قاله العلوي في المقابلة، وهل بالفعل هم مَن قام بـ”توريط” العلوي بالمبنى وبالهيكل وببعض التعيينات، مثلما صرح وقال؟! بشأن الرسوم وآليات تطبيق العمل، هناك جهات عديدة من المتعاملين مع الهيئة أبدوا استياءهم وامتعاضهم مما يحصل، فها هي جمعية المقاولين قررت أن تجعل لها عرفاً أسبوعياً كل أحد للاعتصام أمام مبنى الهيئة، يضاف إلى ذلك الخلل دائم الحصول في النظام الإلكتروني للهيئة والذي تسبب في تعطيل مصالح الناس الأسبوع قبل الماضي واستدعى الهيئة لأن تبرر ذلك بوجود صيانة دورية للنظام، دون أن تعي خطورة التبرير في وقت يجلس فيه المتعاملون في مبناها منتظرين تخليص معاملاتهم فيفاجأون بذريعة ”صيانة النظام”، حتى أن أحد الأشخاص الذين ”شربوا هذا المقلب” كتب ما حصل قبل يومين في بريد القراء بالزميلة ”الوسط”. في توجيهات ولي العهد لوزير العمل خلال اللقاء نقف عند كلمات سموه لنفسرها بشكل أكبر علها تصل إلى فهم المعنيين ليطبقوها بصورتها الصحيحة والمطلوبة، لا ليفسروها حسب أهوائهم وما يسعون لإثباته. سموه طالب بأن تتحلى كافة الإجراءات الصادرة عن وزارة العمل و”تمكين” بالشفافية والوضوح، وأن تتاح الفرصة للجميع للإطلاع على أدق التفاصيل، كما قال بأن المصلحة العامة تحتم على الجميع الانتباه إلى مصلحة المواطن والوطن في نطاق التركيز على المواطنة والمساواة والانسجام مع روح الميثاق والثورة الإصلاحية التي قادها جلالة الملك. نقف عند كلمات سمو ولي العهد، خاصة حين يشدد على مسألة المساواة، وسنستند عليها فيما يتعلق بآلية العمل في هيئة تنظيم السوق، وسنسأل الدكتور العلوي عن وجود هذه المساواة في الهيئة؟! وهل ما تطرقنا إليه في شأن النسبة والتناسب قام بالتحقق منه؟! أم أنها مجرد وعود قدمت للصحافة فقط لتخفف من موجة الانتقادات التي تطال الهيئة؟! سمو ولي العهد أكد على ضرورة الانسجام مع روح الميثاق وثورة جلالة الملك الإصلاحية، وهنا نثق بأن ”ثورة الإصلاح” تركز في أساسها على محاربة الفساد والتسيب الإداري، وتدعو لإحلال الكفاءات في مواقع المسؤولية، وتفرض على المسؤولين ممارسة دورهم الرقابي، والرد والتفاعل بإيجابية مع ما تطرحه الصحافة والجهات الرقابية بهذا الشأن، بل وتطالب بتصحيح الأوضاع الخاطئة وإبدالها بما يحقق الصالح العام للوطن والمواطن، بالتالي هل ما يتم في الهيئة يتوافق مع متطلبات هذه ”الثورة الإصلاحية”؟! حينما فتحنا ملف هيئة تنظيم سوق العمل، لم يكن هدفنا إثارة غبار عابر، أو افتعال زوبعة في فنجان، بل كان أمامنا وضع خاطئ، وحالات محسوبية ومحاباة، وهروب للكفاءات، وإحباطات لبعض الموظفين خاصة المؤسسين، والأهم أن أمامنا مشروع وراؤه سمو ولي العهد، وهو مشروع نرفض أن يفشل ليسيء بطريقة ولو غير مباشرة لمشاريع سمو ولي العهد خاصة تلك التي يقف وراؤها مجلس التنمية الاقتصادية. الدكتور مجيد العلوي مطالب بأن يقوم بخطوات تصحيحية، مطالب بأن يحقق في الملاحظات التي تصله، مطالب بأن يمارس دوره الرقابي، ونذكره هنا بأن سكوته وعدم تزويد الرأي العام بنتائج التحقيق في هذه الأمور -هذا إن بدأ التحقق منها أصلاً- واجب مناط به. إذ لن نقبل بأن ينهار مشروع هيئة تنظيم سوق العمل بسبب الجهاز التنفيذي الذي يحقق السلبيات أكثر من الإيجابيات ويحظى بدعم وحماية رئيس مجلس الإدارة، وفي النهاية يخرج الأخ العلوي على التقاعد متنعماً بمزايا تقاعد الوزراء المريحة. لرئيس مجلس الإدارة المعارض السابق الوزير الحالي الدكتور مجيد العلوي نقول: نرجو أن تكون على قدر تصريحاتك وتعمل بجدية على تنفيذ وعودك، وأن تنقذ هذا المشروع من الانهيار، إذ لن ينفع البكاء بعد ”خراب مالطة”، وستكون أنت مسؤولاً عن ذلك، رغم أنك تدرك بأنه في وطننا لا نقف لمحاسبة المسؤولين بجدية وصرامة، بل دائماً ما نقول ”عفا.