على الوتر
لميس ضيف
حق لهيئة تنظيم سوق العمل أن تفخر بأنها أوقفت – منذ يوليو/ تموز الماضي- معاملات 18 ألف سجل ومؤسسة صغيرة ”كما جاء في بيانهم قبل أيام” بسبب عدم التزام أصحابها بدفع الرسوم الشهرية للهيئة.. وحق لهم أن يفخروا بأنهم ـ وأقتبس ـ ”يحولون المخالفين للنيابة بصورة يومية”. فقطع أرزاق صغار التجار – مفخرة- في توقيت اقتصادي حرج يضغط على شرايين كبار التجار – ناهيكم عن صغارهم- وإنجاز لبلد يتسع فيه هامش الفقر تباعاً و يدفع بأعداد إضافية لجادة العوز.. فالحدية والتزمت في التعامل مع أصحاب المؤسسات صغيرة – العاجزة عن دفع الـ10 دنانير الشهرية لعمالتها- إنجاز ضخم لا شك سيساهم في ”تنظيم” سوق العمل.. عبر تطهيره من صغار التجار الذين يزحمونه دونما معنى.. عبر الحط من قدرتهم التنافسية – المحدودة أصلاً – أكثر فأكثر..!!عندما انطلق مشروع إصلاح سوق العمل في سبتمبر/ أيلول 2004 دُفعت الملايين لشركة مكنزي الاستشارية لتخرج بتوصيات تعمل في اتجاهات ثلاث: إصلاح سوق العمل؛ الإصلاح الاقتصادي وإصلاح التعليم والتدريب.. وكان السؤال الأهم حينها هل يجب البدء بضبط سوق العمل أم تحرير الاقتصاد أو التدريب والتعليم؟
كثيرون أصروا على أن الانطلاقة يجب أن تكون بالتدريب والتعليم.. آخرون أصروا على أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون الأرضية التي ينطلق منها عبر تفعيل التوصيات القائلة بكسر الاحتكار وتحرير السوق ومطالبة الحكومة أن تتخلى عن دورها كمستثمر أساسي وكمهيمن على النشاطات الاقتصادية.. ولا أذكر أن أحداً اعتقد أن البداية يجب أن تكون بإصلاح سوق العمل وجباية الرسوم؛ اللهم إلا القائمين على المشروع أنفسهم!!
بيت القصيد أن الموجة علت وما كان لمحاربتها نفعٌ.. فتم البدء من النهاية وكانت الرسوم هي ما تجسد للعيان واقعاً من كل الرؤية الكبيرة التي تلاشت وما بقي منها إلا بعض المشروعات والمبادرات التي لم تصطبغ بزخم يجعلها قادرة على قلب المعادلات القائمة أو نقض الأوضاع الراسخة!!!
وذاتها الهواجس التي انتابتنا في ذلك اليوم الحار من صيف 2004 -عندما جُمعنا في ”الدبلومات” ليزف لنا نبأ المشروع/ الثورة- تجسدت اليوم واقعاً يُرى.. فالتجار الهوامير ”سيما المحتكرين منهم” قضموا فرق الرسوم من المستهلكين.. أما التجار ”الحراسين” فقد انحشروا بين شفرتي المقص.. سوق مفتوح ومنافسة غير متكافئةً لا تبقي ولا تذر.. والتزامات متزايدة لا ترحم!!
قبل حوالي أسبوعين نقلت الزميلة الوسط تغطيةً لاعتصام أصحاب المحلات التجارية الذين رفعوا عقيرتهم مطالبين بإسقاط الرسوم البالغة ”عشرة دنانير شهرياً” عن كل أجنبي وتسهيل إجراءات إنهاء المعاملات؛ شجعهم على ذلك إضراب الصيادين الذي نجح ودفعهم إلى اللجوء للاعتصام تمهيداً للإضراب وإغلاق محالهم في حال أصرت الهيئة على الضغط عليهم أكثر فأكثر!! ”بمناسبة إضراب الصيادين نسأل: هل نجح إضرابهم حقاً؟!
أعني هل أسقطت عنهم رسوم العمل بالفعل أم لعبت معهم الحكومة ”جلا.. جلا” و”دودَهْتهم” بوعود متصلة غير متأصلة ولا مترجمة لواقع يُلمس!!”
عموماً؛ وفي عودة إلى موضوع المؤسسات الصغيرة التي تناكفها الهيئة اليوم، نقول إن المقاربة الصحيحة التي على الهيئة تبنيها هي حل مشكلات هذه المؤسسات، ومد الحبل لها بقدر الإمكان لتستطيع الصمود، في هذا الوضع بالغ القسوة.. فما من مصلحة أحد أن تقطع أرزاق هؤلاء ليعودا طالبين من الدولة معونة أو وظيفة..فرفقاً بهؤلاء التجار الذين ”تخب” على بعضهم كلمة تاجر خاصةً أن بعضهم يعيش أوضاعاً اعتى وأضيق من تلك التي يكابدها صغار الموظفين!!