فيصل الشيخ
المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك حفظه الله، فتح آفاقاً عديدة للمملكة حتى تطور من أداء أجهزتها الرسمية، ومهد أرضية مناسبة لتدشين العديد من المشاريع الوطنية الهادفة للنهوض بالحراك الوطني على الصعيد الذي يخدم المجتمع، ويصب في اتجاه تقوية الاقتصاد الوطني وتعزيزه. لو أحصينا المشاريع في هذه المساحة لطال بنا المقام، لكن نلخص المسألة بالإشارة لوجود جملة من المشاريع، والتي لو وصلت لتحقيق غاياتها وأهدافها، لوجدنا وضعاً مختلفاً، ولرصدنا تطورات مؤثرة بالفعل، إذ لم توضع هذه المشاريع عبثاً، بل وضعت بعد دراسة انصبت على ما ستعود به بالفائدة على الوطن. كل مشروع تتأتى له فرص عديدة للنجاح، في المقابل توجد هناك نسب للفشل. لكن تبقى المعادلة الهامة هنا في الآلية التي يتوجب العمل بها من أجل ضمان النجاح في هذه المشاريع التي لا تقبل أي نسبة من نسب الفشل، وهذه الجملة يجب وضع ألف خط تحتها، إذ الرفض كل الرفض لفشل أي مشروع جديد تصرف عليه الملايين من أجل تحقيق الفائدة للمجتمع. في رأيي الشخصي، أن نجاح المشروعات يقوم على الأدوات التي تديرها، وأعني بالأدوات هنا الأشخاص الذين يولون مسؤولية إدارة هذه المشاريع، والذين بدورهم تقع عليهم مسؤولية إيجاد كتيبة مخلصة فاعلة تعمل على تحقيق أهداف المشروع. لو كان الاختيار مناسباً، وفق آلية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فإننا لن نجد أية مشكلة في أي مشروع طموح. لأن الرجل المناسب من شأنه إدارة دفة الأمور باحترافية وحكمة، ولن نجد في الكتيبة التي تعمل معه حتى حالة شاذة لا تفيد المشروع بل تضره، سواء بالعمل بأساليب خاطئة، أو تنهج نهج الفساد الإداري والمالي، وتقود المشروع من تخبط إلى آخر. حين تطلق الحكومة أي مشروع، علينا أولاً التمعن في جدوى المشروع، ودائماً ما نجد المسوغات طموحة جداً ومبشرة، لكن حين نأتي لنرى التطبيق على أرض الواقع فيما يتعلق ببعض المشاريع، نرصد في بعضها وجود تعثر واضح، ونجد تذمراً من الشرائح المعنية، ونجد السلبيات تطغى على الإيجابيات، وهذه المسألة تفرض بالتالي ضرورة البحث عن مكمن الخلل، وعن الأسباب التي أدت لهذه العثرات. غالباً ما يكون سبب التخبطات والفشل هي الإدارة، خاصة لو ضمت أناساً تمضي سلبياتهم لتتكدس بصورة ملاحظة، ونجد في أروقة المشروع ذاته، كفاءات تهاجر إلى مواقع أخرى، وأناساً ساهموا في التأسيس يتعرضون للتهميش، وترقيات وتعيينات تفرض طرح علامات استفهام عديدة. وعند الوصول لمثل هذه المرحلة، لابد من تدخل قوي من جهة ذات سلطة أعلى من سلطة القائمين على تنفيذ المشروع، خاصة حين يتم الحديث بصراحة بأن المشروع انحرف عن مساره وأنه لا يتجه لتحقيق الأهداف التي وجد من أجلها. لن نورد أمثلة هنا، رغم أنها متاحة وباتت شرائح عديدة في المجتمع تتحدث عنها، باعتبار أن هذا المشروع الذي ضُخم إعلامياً وهول منه، بدأ بريقه بالضمور والتلاشي، أو أن ذاك المشروع بدلاً من أن يكون نعمة للوطن بات نقمة، وسلبياته أكثر من إيجابياته، أو أن المشروع الآخر بدلاً من أن يكون متنفساً للمواهب الوطنية لتبدع وتطور فيه، أصبح منفراً ودافعاً لها للبحث عن مواقع عمل أخرى، تاركة الساحة لبعض آخرين مستفيدين من مواقعهم خاصة لو كانوا ضمن ”شلليات” و”لوبيات” مدعومة من بعض أصحاب السلطة والقرار، الذين هم أول من يجب لومهم على انحراف المشاريع وسيرها في الاتجاه المعاكس. نعود هنا لاستذكار حادثة نبي الله شعيب مع كليم الله موسى عليهما السلام، حين قالت ابنة شعيب لأبيها متحدثة عن موسى، بأن خير من تستأجر القوي الأمين. وهنا بيت القصيد، إذ على الحكومة أو الجهات الرسمية المعنية بالمشاريع أن تبحث عن الكفاءات، وعن الطاقات القادرة على تنفيذ المشاريع بما يحقق أهدافها، عليها أن تبحث عن المسؤول صاحب الذمة والضمير، الذي يدير المشروع باعتباره مشروعاً وطنياً، لا مشروعاً شخصياً، يدفعه لفتح الباب أمام توظيف أصدقائه وأقاربه وغيرهم، عليها أن تبحث عن الشخص صاحب المؤهلات والتجارب الناجحة التي خدم بها الدولة، ليكون بالتالي خير عون لها في تحقيق الغايات المرجوة من هكذا مشاريع. في دولة مؤسساتية تمضي الآن لتطبق بقوة الرؤية الاقتصادية ٠٣٠٢ القائمة على إحلال الكفاءات في مواقع المسؤولية، لا يجوز أبداً أن تدار الأمور بطريقة ”أعطني حظاً وارمني في البحر”، مع إبدال الحظ بالأموال الطائلة والموازنات الضخمة التي قد تهدر لو أسيء توجيهها. بل يجب أن تدار الأمور بطريقة الاعتماد على العنصر القوي الأمين. نؤمن بأن ما نورده هنا يمثل قناعات لدى قيادتنا الرشيدة، والتي يأتي تدشينها للرؤية الاقتصادية نابع من رغبة لديها في رؤية قطاعات المملكة تدار من قبل أناس بالفعل هم أهل للمسؤولية، وبالفعل هم أهل لتحقيق الأهداف المرصودة في جدوى أي مشروع إلى واقع عملي يخدم الوطن والمواطن، وبخلاصة تقودنا لإنجاح المشاريع التي تطرح وترصد لها الموازنات الضخمة. في دولة طامحة للتقدم والرقي، لا يجب فتح المجال أمام العناصر الموسومة بالفشل، أو تلك التي تخرج من فشل لتدخل في آخر، وإحلال الصالح بديلاً للطالح مهنياً هو الحل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. اتجاه معاكس: - نشرنا بالأمس ملفاً عن هيئة إصلاح سوق العمل، جمعنا فيه آراء جميع الأطراف، من متعاملين مع الهيئة ومسؤولي الهيئة. ووسط موجات التذمر من معوقات تنفيذ المشروع بطريقته الصحيحة وفق رؤية سمو ولي العهد، ما يكشف وجود تخبط في إدارة المشروع من قبل القائمين عليه، وبين نفي المسؤولين الدائم لوجود اختراقات وأخطاء جسيمة، تبقى أمور بحاجة للنبش هنا. لدينا بعض الملاحظات على هيئة سوق العمل، والتي نرى أنها تحتاج بشأنها إلى إصلاح سريع لتواكب التوجه الذي أنشئت من أجله والمنبثق من تطلعات القيادة وسمو ولي العهد. هذه الملاحظات سنوردها في ”اتجاهات” الغد.