فسحة للتأمل – د. حسن مدن
حملتني الأفكار التي كتبها الدكتور مجيد العلوي وزير العمل، والتي نُشرتْ في عدد الأمس من «الأيام»، على استعادة وقائع ندوة أقمتها منذ نحو أسبوعين بطلب من الاخوة الكرام في مجلس الدوي بالمحرق عن العمالة الأجنبية في الخليج. وللمجلس المذكور مكانة في نفسي تجعلني لا أتردد في تلبية دعوات القائمين عليه في التحدث حول قضايانا المختلفة. ويزيد من ذلك أن مجالس مدينة المحرق، عامةً، طالما عُدت، بما تشهده من مناقشات، مجساً لمزاج عام لا للقاطنين فيها فحسب، وإنما بانشغالات الرأي العام في البلد بصورة عامة. ونحن نتناقش في عنوان الندوة لمست ميلاً لدى الأخوة المنظمين لإبراز مخاطر العمالة الأجنبية على التركيبة السكانية والوضع المعيشي في البلد، ولكني طلبت أن يكون عنوان الندوة بالشكل التالي: «العمالة الأجنبية بين الحقوق والمخاطر»، انطلاقاً من القناعة بأن للعمال الأجانب في البحرين وبلدان الخليج حقوقاً يجب أن تُصان، خاصة وأن هؤلاء العمال جرى استقدامهم بإرادة واعية من قبل حكومات وأصحاب الأعمال والشركات في بلدان هذه المنطقة، وبالتالي وجب التعاطي معهم بصورة إنسانية تراعي حقوقهم. وبالنسبة لتنظيمٍ أممي التوجه مثل المنبر التقدمي، فإننا نُعطي هذه المسألة أهمية كبرى، فللعامل والكادح حقوق يجب أن تصان بصرف النظر عن جنسه ومذهبه وانتمائه القومي أو تحدره العرقي، وهناك ما يوحد العمال والكادحون في العالم، فضلاً عن الشعوب كلها، وهي مبادئ الأخوة الإنسانية والعمل في سبيل حياة أفضل للجميع. مع ذلك لا يمكن إغفال المخاطر الجدية المترتبة على الكثافة العددية الهائلة للعمالة الأجنبية في بلداننا الخليجية، وحتى البحرين التي كانت تتباهى حتى حين قريب بأن نسبة البحرينيين بين السكان هي الأعلى، لم تعد استثناء بين شقيقاتها الخليجيات. ولا يجوز، أخلاقياً وسياسياً، تحميل العمالة الأجنبية مسؤولية هذه المخاطر، فالجري وراء رنين الذهب هو الذي أعمى أعين أصحاب العمال وصناع القرار في بلداننا عن التبصر في تداعيات الاستقدام الواسع لأفراد هذه العمالة، دون ضوابط أو ترشيد، متجاهلين أن آليات العولمة التي تضمن انسيابية تدفق الأموال، تضمن أيضاً حرية الهجرات والعمال، وكذلك الأفكار والصور. وآليات العولمة هذه هي اليوم من القوة ما يجعلها في وضع يمكنها من «اختراق» البنى والتشريعات الوطنية النافذة في أي بلد من البلدان، ولم يعد بوسع الحكومات أن تقول للمنظمات الدولية: لا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية، فهناك معايير دولية يتفق العالم عليها، وبموجبها توضع الحكومات موضع المساءلة. يصح ذلك على مسائل جوهرية من نوع حقوق الإنسان، التي تشمل فيما تشمل حقوق العمال الأجانب أو المهاجرين، وحقوق النساء والأقليات وسواها من قضايا ذات صلة. والإقليم الخليجي، شئنا أو لم نشأ، هو في القلب من هذه العولمة التي تجتاح العالم التي لا تستثني طرفاً من أطراف العالم، فما بالك بمنطقةٍ تحمل في جوفها هذه الاحتياطات الكبيرة من المخزون النفطي العالمي، وبالتالي فان أموراً كثيرة تتصل بالبنية الاقتصادية والسياسية في بلدان هذا الإقليم، وفي مقدمتها موضوع العمالة الأجنبية، باتت تحت الضوء الكاشف للجهات الدولية ذات الاختصاص، على نحو ما أشار إليه وزير العمل في مقالته، وعلى نحو ما سنأتي عليه تباعاً.