المزعل لـ «الوقت»: جهود الحكومة في معالجة الفقر «عشوائية» ونحتاج إلى خطـة وطنية

مشيراً إلى أن دعم الحكومة للمواطن يساوي مئة فلس يومياً..

المزعل لـ «الوقت»: جهود الحكومة في معالجة الفقر «عشوائية» ونحتاج إلى خطـة وطنية

الوقت – فاضل عنان:

اعتبر عضو كتلة الوفاق النائب محمد المزعل، جهود الحكومة في مجال معالجة الفقر ”عشوائية وضئيلة، وكأنها لا ترى في علاج هذه الظاهرة الخطيرة، هدفا استراتيجيا”، منتقدا في هذا السياق ”تلكؤ الحكومة في تحديد خط الفقر، الذي يجب أن يكون أساسا للكثير من التشريعات”.

ولفت المزعل في مقابلة أجرتها ”الوقت” معه إلى أن ”المساعدات التي تقدمها ”التنمية” لعشرة آلاف أسرة فقيرة، ضمن قانون الضمان الاجتماعي، أقل من مليون دينار شهريا، فهل يعقل أن هدفا ساميا مثل الضمان الاجتماعي، يتحقق بهذا المبلغ الضئيل؟”، وفق ما قال.

وشدد المزعل على أن ”البلد بحاجة إلى خطة وطنية للتنمية، لها أهداف واضحة وجدول زمني ووسائل محددة، وأن تكون علمية وشفافة وقائمة على الواقع، يتم الاعتراف فيها بمواطن القصور والخلل”.

؟؟ ما هي قراءتك أولا للوضع المعيشي والاقتصادي للفرد البحريني؟؟ لا يختلف اثنان على أن الوضع المعيشي للمواطن البحريني في تراجع، بحيث إن الهوة بين الفقراء والأغنياء تتسع يوما بعد آخر، مما يجعل الطبقية خطرا متصاعدا، ومعلوم أن الطبقية يتبعها الكثير من المظاهر السلبية. البحرين تشهد ذوبانا للطبقة الوسطى، معيشيا فينضم واحد منها إلى طبقة الأغنياء وفي المقابل يلتحق تسعة بالطبقة الفقيرة، وهذا الذوبان ينذر بكارثة إن لم يتم تداركه سريعا، لأنه يتسبب في انتشار الجريمة ويؤسس لظواهر أخلاقية سيئة وغريبة على المجتمع البحريني، مع تراجع المستوى التعليمي وتوسيع دائرة المتسيبين من الدراسة ومساحة الفساد المالي والإداري.

؟؟ كيف تقيم مساعي الحكومة للحد من ظاهرة الفقر؟؟ من يراقب أداء الحكومة في هذا الشأن يتراءى له، وكأنها تريد للفقر أن يبقى، فجهود الحكومة ومساعيها فيما يتصل باستئصال الفقر، جهود عشوائية وضئيلة، وكأنها لا ترى في علاج هذه الظاهرة الخطيرة، هدفا استراتيجيا ، وإلا فبماذا نستطيع أن نفسر التلكؤ في تحديد خط الفقر الذي يجب أن يكون أساسا للكثير من التشريعات والتحليلات للأوضاع الاقتصادية والمعيشية قي البلاد.

الحكومة تعتمد في مجال مكافحة الفقر على سياسة تسجيل الحضور، ورفع العتب واللوم من خلال برامج هزيلة، مثل علاوة الخمسين دينارا التي كشفت وضعا إداريا ضعيفا ومترديا، أثار غضب الناس ورأوا فيه معاملة مذلة، في المقابل هناك برامج أخرى لا شأن للحكومة بها، ولا تعتبر انجازا من انجازات الحكومة مثل برنامج البيوت الآيلة للسقوط، وبرامج المؤسسة الخيرية الملكية في رعاية الأرامل والأيتام، ومكرمات إسقاط أو تخفيض ديون الإسكان، فهذه البرامج تبناها الملك شخصيا، بعد أن عجزت الحكومة حتى عن تخفيف آلام الفقر.

كما أن هناك برامج أخرى أهلية كالصناديق الخيرية التي تقوم بدور جبار، هو في الأساس مهمة الحكومة، لكن الحكومة تكتفي بدور المراقب لهذه الصناديق وأحيانا المعرقل لعملها، إلى درجة أنها رفضت اقتراحا نيابيا بتحمل ألفي دينار شهريا كموازنة تشغيلية لكل صندوق خيري لتغطي مصاريف الإيجار والفواتير والعاملين المتفرغين فيها بدلا من دفعها من أموال التبرعات والصدقات.

أما المساعدات التي تقدمها الوزارة لعشرة آلاف أسرة فقيرة، ضمن قانون الضمان الاجتماعي فهي أقل من مليون دينار شهريا، فهل يعقل أن هدفا ساميا مثل الضمان الاجتماعي، يتحقق بهذا المبلغ الضئيل؟

جملة من الأسباب وراء ظاهرة الفقر

؟؟ ما هي أسباب الفقر في البحرين رغم أنها دولة صغيرة وتعتمد على العوائد النفطية بصورة أساسية في اقتصادياتها؟؟ الفقر كأي ظاهرة، له نوعان من الأسباب، أسباب طبيعية ومقبولة علميا كموجة الغلاء العالمي أو الكوارث وهي أسباب لا ترجع إلى أخطاء تقصيرية من أحد معين، كي يتحمل مسؤوليتها بل تستدعي عملا نوعيا يتناسب معها للحد من آثارها المعيشية.

لكن هناك أسبابا ترجع إلى أخطاء المعنيين في مؤسسات الدولة، وهي أسباب تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتتحمل السلطة التشريعية مسؤولية معالجتها رقابيا أو تشريعيا ومنها:

1- ”الجشع” وهي كلمة تختصر الكثير مما يعرفه المواطن العادي.

2- فقدان التخطيط السليم والشامل وهو السبب وراء الشلل الذي عانت منه المشروعات التنموية الموجهة لذوي الدخل المحدود بعد أن تضاعفت كلفتها كمشروعات الإسكان، فعلى سبيل المثال أصبحت كلفة بيت الإسكان في العام 2008 أكثر من 50 ألف دينار، في حين كانت 25 ألفا قبل سنتين فقط، أما كلفة الاستملاك للأراضي للمنفعة العامة فقد تضاعفت إلى أكثر من 500% في بعض مناطق البحرين.

ولو كان التخطيط سليما لكانت البحرين اليوم، قد تخلصت من جزء كبير من مشكلة الإسكان وبالتالي عالجت أهم ما تفتقده العوائل الفقيرة، وهو السكن اللائق.

3- فشل الاستراتيجية التعليمية في التنسيق بين مدخلات التعليم ومخرجاته، مما أدى إلى تكدس آلاف الجامعيين في طوابير التعطل، وهذه الطوابير مرشحة للزيادة مع نهاية كل عام دراسي.

4- التمايز المجحف بين امتيازات القطاعين العام والخاص من حيث الأجور وساعات العمل والحقوق التقاعدية بنحو جعل من العمل في القطاع الخاص شبحا، يهرب منه المواطن، والمسؤولية هنا أكبر على السلطة التشريعية للخروج بتشريعات تحقق توحيد المزايا بين القطاعين العام والخاص بأسرع وقت وبالتالي ترغيب المواطنين في العمل بالقطاع الخاص.

5- سياسة التجنيس المنفلتة التي أدت إلى تقاسم المجنسين اللقمة والخدمة التي كان يجب أن تكون خالصة لأبناء الوطن وتصب في تحسين الوضع المعيشي للمواطن.
الخدمات الحكومية والتخفيف من الفقر .

؟؟ أليس في الخدمات التي تقدمها الحكومة مجانا في مجالات التعليم والصحة والإسكان ودعم المواد الغذائية الأساسية دليلا على جدية الحكومة في تحمل قسط مهم من أعباء المعيشة؟؟ أولا هذه الخدمات ليست منة على المواطن بل حق أصيل له في ثروة بلده، وثانيا فقد تقدمت الإشارة إلى أن مجانية هذه الخدمات لغير المواطنين من مجنسين وأجانب فاقت نسبتهم نصف عدد السكان ، يمثل عبئا على المواطن حين يؤدي ذلك إلى ضعف الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، مما يتسبب في تنامي الطبقة الفقيرة بالذات وقد أصبحت الكثير من العوائل المتوسطة الدخل تخصص نسبة غير بسيطة من دخلها الشهري للتعليم والصحة والإسكان بدلا من اللجوء إلى الخدمات الحكومية في هذه المجالات.

وثالثا المطلوب من الحكومة جهود نوعية خاصة لمكافحة الفقر، بحيث تلحظ آثارها على الفقراء بشكل واضح، أما أن تبحث عن الخدمات الأساسية التي تقدم للغني قبل الفقير، وتمن بها على الفقير فهذه محاولة تلميع فاشلة، هذه الخدمات تقدمها كل الدول لمواطنيها بغض النظر عن فقرهم أو غناهم.

أما دعم المواد الغذائية الأساسية (36 مليون دينار يتقاسمها فيها الأجنبي) فالغني يستهلك منها أكثر من الفقير فضلا عن الكميات التجارية التي تستهلكها المطاعم والفنادق، ولو قسمنا الدعم الحكومي للسلع بالتساوي على عدد السكان لكان نصيب كل فرد في البحرين مئة فلس يومياً.

؟؟ البعض يتحدث عن أن هناك مبالغة من قبل المعارضة لتصوير الوضع البحريني بأنه مأساوي، فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الكلام دقيقا؟؟ من يقول ذلك لا يعرف معنى الفقر ولم يكتو بناره ولم يدخل بيوت الفقراء ولم يشهد البؤس في أعين أطفالهم. البحرين بلد يجب أن يكون خاليا من مظاهر الفقر والأمية والتخلف، نصف مليون إنسان فقط هو عدد المواطنين.

ذات يوم، اشتكى أحد الصناديق إلى المرحوم الحاج حسن العالي من أوضاع مأساوية فطلب منهم اصطحابه إلى البيوت الفقيرة فوجدها أسوأ حالا من وصفهم فرفع الأمر إلى المسؤولين الذي وعدوا خيرا ثم تبخرت وعودهم، فبادر بمشروع بناء وترميم مثل تلك البيوت على مستوى البحرين حتى وصل عدد البيوت التي بناها أكثر من 240 بيتا والبيوت التي رممها أكثر من 1000 بيت في مختلف مناطق البحرين، إذا كان ذلك عمل خير من رجل محسن فما هو حجم العمل الذي ينبغي على الحكومة القيام به؟

لازال في ذاكرة الوطن والمواطنين زيارة سمو ولي العهد إلى قرية المقشع واستغرابه من الوضع المأساوي الذي كانت تعيشه قرى المحافظة الشمالية حتى اشتهرت مقولة ”البحرين كلها مقشع”، وقد تكرم حينها سموه بالأمر ببناء مشروع المقشع الجديدة، لماذا لاينزل المسؤولون والوزراء إلى الناس ويدخلون البيوت ليروا بأنفسهم ما رآه سمو ولي العهد والمرحوم الحاج حسن العالي؟

نحو خطة وطنية للعلاج

؟؟ ما هو العلاج الناجح في نظرك؟ ؟ البلد بحاجة إلى خطة وطنية للتنمية، لها أهداف واضحة وجدول زمني ووسائل محددة، ويجب أن تكون علمية وشفافة وقائمة على الواقع، يتم الاعتراف فيها بمواطن القصور والخلل بكل شفافية، كما يجب أن توضع الأهداف فيما يتعلق بالنهوض المعيشي والتعليمي والإسكاني والصحي والبيئي على ضوء الظروف القائمة والفرص والإمكانات المتاحة وهي ليست قليلة بل إننا قد نمر اليوم بفرصة ذهبية إن لم نحسن استغلالها، فقد لا تتكرر ولن ينفعنا الندم بعد ذلك.

كما يجب أن تتضافر الجهود ليكون المواطن أولا في أجندة البرلمان والحكومة معا، ومجلس التنمية الاقتصادية كفيل بأن يلعب دورا كبيرا في هذا الصدد.

لقد احتوى الخطاب السامي للملك في بداية دور الانعقاد الثاني على نقطة مهمة فيما يتعلق بهذا الموضوع وهي توجيه الدعم الحكومي للطبقات الأكثر حاجة وفقرا في المجتمع، لكن لم تفعل الحكومة ذلك على مدى عام كامل، وها نحن على مشارف افتتاح دور الانعقاد الثالث.

كان الأجدر بالحكومة أن تولي هذا الأمر اهتماما خاصا يتمثل في وضع خطط تنموية للنهوض بالمناطق الفقيرة وجعلها في مستوى يليق بالبحرين كبلد نفطي خليجي.

من جانبنا وعلى الصعيد التشريعي تقدمنا قبل أكثر من عام بمشروع قانون لدعم الأسر ذات الدخل المحدود، يقضي بإلزام الحكومة بأن تدفع شهريا الفارق بين مبلغ دخل عائل الأسرة والحد الأدنى اللازم للمعيشة الكريمة لتلك الأسرة، ويتضمن القانون إلزاما للدولة بمراجعة الخط الوطني للفقر كل ثلاث سنوات وهو الخط الذي على أساسه يحدد الحد الأدنى اللازم للمعيشة، وأنا على ثقة بأن هذا القانون لو طبق فمعنى ذلك أننا نكون قد قضينا على الفقر وحافظنا على كرامة المواطن.