نهار آخر
فقراء رغم الثروة الطائلة!!
رضي الموسوي
تشكل الإحصاءات الرسمية الصادرة عن هيئة تنظيم سوق العمل حول نسبة العمالة ومستوى الأجور في البحرين، والتي نشرتها ”الوقت” يوم أمس السبت.. تشكل فضيحة لما يدعى بالتخطيط والإستراتيجية التي كثر الحديث عنهما في الآونة الأخيرة.
ولأنها إحصاءات رسمية ومعتمدة على معلومات لجهات حكومية هي وزارة العمل، ديوان الخدمة المدنية، والهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وهيئة تنظيم سوق العمل، فإن مسألة المرور عليها مرور الكرام واعتبارها خبرا منغصا في الصباح ومن ثم الهروب منه إلى عمليات الترويج وتلميع الوضع الحالي، مسألة لم تعد مقبولة، في ظل الفوائض المالية الكبرى التي لم تشهد البحرين والمنطقة لها مثيلاً من قبل بسبب القفزات الهائلة لأسعار النفط خلال السنوات الماضية.الإحصاءات تشير إلى أن أكثر من 53 بالمئة من البحرينيين يعيشون تحت خط الفقر، أي أنهم يحصلون على أجور تقل عن 300 دينار بحريني، وهو الرقم الذي يقل بقليل عن الأجر الذي ينحشر فيه المواطن في مستوى خط الفقر، إذ سبق لمركز البحرين للدراسات والبحوث أن حدد قبل ست سنوات مبلغ 310 دنانير بأنه الحد الأدنى للأجور.
تحديد الحد الأدنى للأجور كان قبل ست سنوات، لكن اليوم وبعد أن شهدت الأسواق ارتفاعا فاحشا في الأسعار لمختلف السلع الضرورية والكمالية؛ نظرا للتضخم الذي لم تعلن الجهات الرسمية المختصة عن نسبته الحقيقية، فإن مبلغ الـ300 دينار هو مبلغ متواضع لايضع الموظف أو العامل حتى في مستوى خط الفقر، إنما يطيح به إلى العوز ويجبره على البحث عن مصادر أخرى للرزق؛ لتعزيز دخله سواء من خلال العمل الإضافي أو البحث عن عمل له بعد أن ينتهي من ساعات عمله الأصلي. ب
عض الجهات الرسمية تعاملت مع الوضع مثل وزارة الإسكان وحددت 500 دينار لمستحقي إعانات السكن الذين بقوا في طابور الانتظار والتربص خمس سنوات على الأقل، ليحصلوا على مبلغ مئة دينار؛ دعما لإيجار السكن الذي لاشك انه أعلى من ذلك بكثير خاصة لأسرة متوسطة العدد.
كان يمكن تفادي ما وصلنا إليه لو أن الجهات المسؤولة وضعت نصب أعينها المواطن هدفا ووسيلة في آن واحد لعملية التنمية الإنسانية الشاملة، ولو أن قراءة صحيحة عن الوضع المعيشي جرى التعامل معه بشيء من الجدية والحكمة بعيدا عن عمليات التجميل التي أرهقتنا جميعا في ظل ثروة النفط الخفاقة التي يسمع المواطن عنها، لكنه لايتمتع بشيء منها، بل يدفع تبعاتها من تضخم وغلاء فاحش حتى مقارنة بدول الجوار (على سبيل المثال فإن أسعار الدواء في البحرين أعلى بنسبة تصل إلى 50 بالمئة مقارنة بالسعودية!!).
في البحرين فقر مدقع وستزداد نسبة المعدمين إذا استمرت السياسات الرسمية غير عابئة بما يجري في الواقع، بينما تغرد شركات العلاقات العامة المحلية والأجنبية ومن في حكمها خارج السرب. فالإحصاءات التي تم الكشف عنها ليست إلا غيضاً من فيض الحالة القائمة التي تنذر بكارثة.