إبراهيم بوصندل
نتطلع جميعاً إلى اليوم الذي تكون فيه البحرين للبحرينيين، يوم نرى المواطن البحريني يشغل كما يشغل الإنسان في كل مكان -ما عدا الخليج العربي- كل الوظائف في بلاده وإن صغرت. ولا شك في أن مجلس التنمية الاقتصادية يتطلع لذلك اليوم أيضاً، ومخطئ من يشك في حرص المجلس على مصير الأجيال المقبلة ومستقبلها.
إلا أن توافق التطلعات المستقبلية، ووضوح الهدف الرئيس لا يعني الاتفاق على نوعية الأساليب، وعلى توقيت وسرعة الحلول التي يطرحها، وكل هذه قد تأتي بنتائج عكسية تزيد الطين بلة.
من الحلول المطروحة لتوفير فرص عمل للبحرينيين؛ حرية انتقال العامل الأجنبي من كفيل إلى آخر، ومن عمل إلى عمل دون اشتراط موافقة صاحب عمله، كما في المادة (25) من قانون تنظيم سوق العمل رقم 19 لسنة ,2006 ونصها: ”يكون للعامل الأجنبي -دون موافقة صاحب العمل- حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر وذلك دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون أو نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين”.
تهدف هذه المادة إلى مساواة العامل الأجنبي مع العامل البحريني، وسلبه لما يميزه عن نظيره البحريني، ومنه عدم قدرته على الانتقال إلى كفيل آخر، ما يجعله مميزاً ومرغوباً أكثر من قبل أصحاب العمل الذين ينشدون استقرار مؤسساتهم ويخافون من كثرة تنقل العامل البحريني، كما تهدف إلى منح العامل الأجنبي بعض حقوقه.
ومع هذه النوايا الحسنة؛ فإن أصحاب الأعمال أجمعوا (تقريباً) على أن المادة مجحفة بحقهم وإن هيئة تنظيم سوق العمل ظلمتهم ولم تراع حقوقهم كمواطنين بحرينيين، واتهموا الهيئة بالسعي لتحسين صورة البحرين في مجال حقوق الإنسان ولكن على حساب التجار وأصحاب الأعمال، وإنه قد يكون لذلك آثار سلبية وعكسية، وهو ما يوافقهم فيه بعض رجال القانون والاقتصاد. ولعل في بعض ما يطرحونه كثيراً من الحق، إذ لنا أن نتصور الضرر من انتقال العامل الأجنبي بعد أسبوع أو شهر أو أشهر من بداية عمله، ولهذا اقترحت غرفة تجارة وصناعة البحرين تحديد سنة كاملة من تنفيذ العقد كحد أدنى، الأمر الذي تبناه بعض النواب.
تخوفوا أيضاً من أن هذه الحرية ستتسبب في ارتفاع أجور العامل الأجنبي، وخصوصاً المهرة منهم، وإن هذا الارتفاع لن ينتج عنه توفير فرص عمل للبحرينيين لكون غالبية العمالة الأجنبية توجد في قطاع المقاولات والإنشاءات بشكل خاص، وهو القطاع الذي يعزف عنه العامل البحريني وتكاد تستحوذ عليه العمالة الأجنبية.
ولا يخالف عاقل في أن هذه الحرية وإن كانت تهدف إلى تحرير سوق العمل من القيود والمعوقات؛ فإنها قد تربك السوق وتؤثر سلبياً على أداء القطاع الخاص من خلال فوضى التنقلات التي ستحصل فيه، ولا يدري أحد إلى متى سيستمر هذا الإرباك.
من المخاوف أيضاً أن المنافسة قد تستعر للحصول على العمالة المدربة، وخصوصاً العامل الذي يحمل أسرار الشركات المنافسة ونقاط ضعفها وقوتها. وهو ما لا يمكن حله عبر تحديد مدة زمنية كسنة مثلاً، وقد طرح حل آخر، وهو تطبيق قانون الاحتراف الرياضي على العمال المهرة الذين يشغلون وظائف حساسة، وأن توضع غرامات جزائية على من يخل بالعقد، وبتعويض صاحب العمل عن الخسائر التي تعرض لها نتيجة انتقال العامل لصاحب عمل آخر.
هناك أيضاً تكاليف استقدام العامل المادية وأعباء الإجراءات والفترة الزمنية، وكلفة تدريبه، كما إن عملية إيجاد البديل قد تتطلب أشهراً عدة لإنجاز الإجراءات الجديدة والحصول على العامل المطلوب، ما قد يجعل صاحب العمل في عملية بحث دائم لبدلاء عن عماله المنتقلين، وخصوصاً المهرة منهم.
ثم من يضمن عدم استغلال هذه المادة من خلال بائعي التأشيرات الذين قد ينتقل إليهم العامل الأجنبي، ومنهم إلى السوق لممارسة العمل الحر والتحول إلى عمالة سائبة ولكن بشكل رسمي هذه المرة.