د.توفيق السيف
الزميل داود الشريان غاضب لان نظام الكفيل المعمول به في دول الخليج تحول الى مورد للسخرية في العالم اجمع »حتى أصبحت كلمة كفيل تستخدم كـشتيمة في بعض الحوارات والمنتديات«. كما ينظر الى هذا النظام »كشكل من أشكال الرق التي حظرتها المواثيق الدولية« (الحياة ٤١-٧). والحق ان نظام الكفالة ليس شبيهاً بالرق ، بل هو الرق بعينه في شكل معاصر. هناك طبعا بعض الفروق بين الرق المعاصر (الذي يحميه نظام الكفالة) والرق القديم الذي أُلغي في بلادنا منذ منتصف الستينات من القرن الماضي بفضل الضغوط السياسية الامريكية. لأنه شكل من اشكال الرق فان احدا لا يرغب في تبريره او الدفاع عنه. ولأنه كذلك فان الدعوة قائمة في المملكة العربية السعودية لالغائه. ولعل الزميل الشريان قد سمع بالمشروع الذي اقترحته الجمعية الوطنية لحقوق الانسان على وزارة العمل ووزارة الشورى هذا الاسبوع ، وهو يدعو صراحة الى الغاء نظام الكفالة المطبق حاليا لانه ينطوي على خرق للحقوق الاساسية للعامل الاجنبي. ولحسن الحظ فقد اعلن نائب وزير العمل د. الحميد استعداده لدراسة المشروع بايجابية وانفتاح . ونأمل ان يلتزم بوعده.
هناك بطبيعة الحال عاملون يسيئون الى كفلائهم ، وهناك كفلاء ضعفاء وعاجزون او جاهلون بحقوقهم وواجباتهم ، ولهذا السبب او ذاك فقد تجد بين الكفلاء من تعرض للضرر او الخسارة على يد مكفوليهم. وتذكرالصحف بين حين وآخر قصصا من هذا النوع ، وهي لا تخفى على احد. لكن شتان بين هذا وذاك. فنحن نتحدث عن انتهاك مؤسسين لحقوق الانسان يطال ملايين من الناس ، ويطبق من جانب اجهزة الدولة وباسم القانون . طبقا لتقديرات شبه رسمية يعيش في المملكة العربية السعودية نحو ٦ ملايين وافد يخضعون لنظام الكفالة. وهو نظام قائم على فلسفة خاطئة وغير انسانية ، فحواها ان العامل الاجنبي ليس شخصا مستقلا كامل الاهلية ، بل »اداة انتاج« تنحصر حقوقه في الراتب المتفق عليه مع كفيله . ولهذا فهو لا يتمتع بحق التملك ولا يستطيع مراجعة الدوائر الرسمية ، بل ولا يستطيع التنقل داخل البلاد حتى للحج او العمرة من دون اذن خطي من الكفيل . وهو بالطبع لا يستطيع تغيير وظيفته او الانتقال الى عمل جديد من دون »تنازل« كفيله . كما لا يستطيع اعادة النظر في عقده او المطالبة بتغيير شروطه. وفي المقابل يستطيع الكفيل في اي وقت شاء الغاء عقد العامل وترحيله من البلاد . طبقا لهذا النظام فان رخصة الاقامة الممنوحة للعامل الاجنبي لا تعطيه حقاً مكتسباً في المستقبل ، فهو لا يستطيع ضمان بقائه في البلاد ولو خدمها ٠٢ عاما . كما ان اولاده البالغين لا يتمتعون بحق مكتسب في الاقامة تبعاً لوالدهم ، ولذلك فهم يعانون صعوبات جمة في الحصول على مقعد جامعي او وظيفة.
لا نريد هنا الاشارة الى الحقوق الثقافية والنقابية التي يفترض ان يتمتع بها كل انسان ، فموضوع هذه يطول ويتشعب. لكن الحد الادنى المتوقع منا كمسلمين هو ان نضع نصب اعيننا القيم الدينية التي نتفاخر بحملها وندعي الالتزام بها ، ومن ذلك مثلا النظر الى هؤلاء كشركاء في احياء ارضنا التي كان جزءا كبيرا منها سيبقى ميتاً لولا مساعدتهم . وهذا هو مفهوم الحديث الشريف »الارض لله ولمن احياها«. ومن ذلك ايضا مساواتهم في الاجور والمعاملة مع المواطن ، انطلاقا من قاعدة »الاجر على قدر المشقة« او »الاجر على قدر الكفاءة« ، وليس الاجر على نوع الجنسية الجاري حاليا.
كتب الكثير عن العيوب الجوهرية في نظام الكفالة ، وكتب مثله عن المشكلات والآلام التي يعانيها العاملون الاجانب. وكان هذا موضوعا دائما لتقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان ، كما انه تسبب في بعض الاحيان في الاساءة الى العلاقة بين دول الخليج والدول المصدرة للعمالة. في اعتقادي انه لا يوجد اي مبرر عقلاني لنظام الكفالة. وهو قد وضع في عقود سابقة بوحي المخاوف الامنية او الشعور بالتفوق على الغير، او ربما الرغبة في تضييق دائرة المنتفعين بالثروة الوطنية. لكن هذه المبررات جميعها لم تعد مقبولة في عالم اليوم ، ولهذا ايضا لا يرغب احد في الدفاع عنها. وحري بنا ان نستعجل في التخلص من هذا النظام المقيت الذي يجعل العامل الوافد مصدر توتر بدل ان يكون شريكا في البناء وصناعة المستقبل.