الوجه الآخر من العمالة الأجنبية‮!‬

بدر عبدالملك

طالعتنا الصحافة المحلية في‮ ‬مملكة البحرين عن كل ما دار حول مقتل المواطن البحريني‮ ‬على‮ ‬يد العامل البنغالي‮ ‬وبسبب نوعية الجريمة البشعة الإرادية أو‮ ‬غير الإرادية في‮ ‬نمطها وظروفها فان النتيجة أمامنا‮ ‬غياب إنسان من الحياة والوطن كان بمثابة خسارة إنسانية في‮ ‬نهاية المطاف وألم كبير لعائلته‮. ‬وبسبب نوعية الجريمة عادة‮ ‬يهتز أي‮ ‬مجتمع هادئ بطبيعته وصغره كما هي‮ ‬الجرائم في‮ ‬القرى الصغيرة النائية في‮ ‬البلدان الكبيرة التي‮ ‬عادة تعج بمظاهر الجريمة كبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها‮. ‬وبسبب تزايد حجم العمالة في‮ ‬العقود الأربعة الأخيرة فقد قدمت لنا الدراسات الاجتماعية والنفسية في‮ ‬منطقة الخليج وغير الخليج‮  ‬أن العمالة الوافدة لكل مجتمع لا تحمل معها فقط عملية تنمية ومؤثرات عديدة ايجابية وحسب بل وهناك مظاهر سلبية كثيرة للغاية بما فيها قضايا الجريمة،‮ ‬ولكننا عادة لا نهتم بحجمها لكونها لا تهمنا حالما تدور في‮ ‬وسط تلك العمالة أو فيما بين جنسيات مختلفة داخل تلك العمالة الأجنبية‮. ‬
ما قدمته ويقدمه منطق الأرقام والإحصائيات خلال تلك العقود حول الجريمة وعن أنماطها‮ ‬يدلل على حقيقة وجودها وعن تصاعد أرقامها؛ فثقافة تلك العمالة تنقلها لنا تلك العمالة ليس بسبب ما تتميز به من ملامح سوسيو-ثقافية وحسب،‮ ‬وإنما في‮ ‬اغلب الحالات كونها تنتمي‮ ‬لشرائح دنيا من تلك العمالة؛ فمن‮ ‬يعيشون أوضاعا رغيدة في‮ ‬بلادنا من العمالة الأجنبية لا‮ ‬يشكلون رقما كبيرا في‮ ‬عالم الجريمة إن لم نقل إنها نادرا ما تحدث على الرغم من أن أعدادهم كبيرة نسبة لنخبة مجتمعات معينة وجنسيات معينة،‮ ‬بل كونها تنافس النخب المحلية أيضا،‮ ‬وتتفوق عليها لكونها تمنح امتيازات خاصة لا‮ ‬يجدها المواطن المحلي،‮ ‬فيما تعيش العمالة الأجنبية الدنيا حياة العبيد والضغوط اليومية النفسية والاقتصادية والإنسانية التي‮ ‬نعرفها،‮ ‬فتنتج احتكاكا‮ ‬يوميا فيما بينها في‮ ‬المسكن والمعيشة،‮ ‬فتتعارك بعنفوان،‮ ‬تصبح عملية القتل سهلة جدا،‮ ‬فلا قيمة للحياة وسط بشر‮ ‬يعيشون عيشة البهائم والدونية‮. ‬وبذلك لا نستغرب من أي‮ ‬عمالة أجنبية شبيهة أن تمارس الممارسات ذاتها مع نفسها ومع عمالة أجنبية مماثلة لها أو مواطنين من بلادنا‮. ‬
فكيف العمل إزاء عمالة نحن كنا بالأمس نخشاها ونحذر منها وفي‮ ‬وقت ما قمنا بتعاطف معها وبررنا وجودها الإنساني‮ ‬والديني،‮ ‬فما كان من الاتجاهات الدينية إلا بالدفاع عنها ثم نجدها اليوم تهرول بسرعة لترحيلها بصورة لا إنسانية‮ !! ‬فلا نفهم تلك المواقف ومن جهة أخرى هناك أصوات إنسانية وتقدمية بدت تدرك بشكل أعمق أن المسألة ليست في‮ ‬الصدامات والاحتكاكات الإنسانية والاجتماعية بين فرد وآخر وإنما هناك دوافع ومسببات أعمق من ظواهر شكلية كالمشاجرات التي‮ ‬تدفع شخص بقتل شخص آخر لمجرد منازعات بدت بالانفعال وانتهت بالقتل فصارت تلك الجالية برمتها في‮ ‬عين المجتمع امة وحشية دفعة واحدة‮ !!‬
فيما نصمت عن جنسيات أخرى كثيرة في‮ ‬إمكانها أن تنتج قضايا مشابهة إذا ما وقعت لها ظروف مماثلة فليست الجريمة‮ ‬غريزة قومية أو أثنية أو دينية وغيرها‮. ‬ندرك بعمق مرارة مجتمعنا الطيب الذي‮ ‬يفزع بسرعة لكل الم ويتعاطف لما هو عميق إنسانيا وهذه صفة حميدة لمكونات العلاقات الطيبة بين شعبنا‮. ‬ولكن إذا ما هدأنا قليلا بعد أيام من المحنة لوجدنا أن ما مارسه من قتل‮ ‬يومي‮ ‬مقاولونا وتجارنا وكل الملاكين الصغار الراكضين وراء الأرباح باستغلال العمالة الأجنبية تبلغ‮ ‬أحيانا الصفع والمهانة التي‮ ‬يكتمها ذلك الإنسان ولكنها تتراكم في‮ ‬داخله بصمت حتى تتحول إلى وحشية البهيمة في‮ ‬أقفاصها إذا ما قمنا بتجويعها حد الانفجار‮.‬
‮ ‬من مارسوا‮ ‬يوميا لذة الكسب من وراء تلك العمالة لم‮ ‬يلتفتوا حقيقة لمعنى الدراسات حول الوجه الآخر للعمالة الأجنبية متناسين أن لذة الكسب والربح ليست وحدها الدافئة على مدى سنوات طويلة،‮ ‬وإنما النتائج المؤلمة أيضا تخزينا وتحرك ضميرنا واحتجاجنا الصحي‮ ‬والسلبي‮ ‬في‮ ‬بعض الأحيان‮. ‬
أسعدت كثيرا بظاهرة جديدة وهي‮ ‬ثمار الانفتاح في‮ ‬رحلة المناخ الديمقراطي‮ ‬والصحافة الحرة هو بكثرة الكتابات والحوارات حول ظاهرة‮ »‬القاتل البنغالي‮«! ‬وزيادة حراك المجتمع المدني‮ ‬والمنظمات المرتبطة بحقوق الإنسان وتبادل العائلات والأفراد بجدية أو لا مبالاة لكل ما‮ ‬يدور في‮ ‬المجتمع من ظواهر تهز وجدانه،‮ ‬فالمهم أن نعمق رؤية الرأي‮ ‬العام ونزيد من وعيه للحوار ولكل ما‮ ‬يجعل مجتمعنا‮ ‬يؤسس لدولة القانون بل وينتقد حتى الوزارات بكل إجراءاتها المستعجلة حتى وان كانت إجراءات وزارة الداخلية التي‮ ‬فسرت الإجراء بأنها بدأت تهتم بمستوى العمالة،‮ ‬ولعلنا نجد ذلك إجراء حقيقياً‮ ‬فعالاً‮ ‬إزاء كل الجنسيات فليست وحشية البنغالي‮ ‬قادمة من كوكب آخر‮! ‬وليست البحرين وحدها تعيش هذه الظاهرة بل كل البلدان التي‮ ‬تستقبل العمالة الأجنبية في‮ ‬بلدها وتحولها إلى سوق سوداء للدعارة والنخاسة ابتداء من المكسيك مرورا بشرق آسيا وانتهاء بأوروبا الشرقية وأفريقيا المهاجرة نحو نعيم الغرب،‮ ‬كل هؤلاء في‮ ‬مجتمع ما بعد الحداثة والعولمة‮ ‬يقدمون لنا نماذج تراجيدية للبؤس والفقر والمجاعة موازية لعصر الفضاء والثورة المعلوماتية‮.‬
‮ ‬فهل نكون وحدنا العالم المهتز الذي‮ ‬يبحث عن الحصانة المثلى في‮ ‬وقت تقدم بلدان مجلس التعاون نفسها كظاهرة استثنائية لاستيراد العمالة الأجنبية بدرجة هزت كيانها السكاني‮ ‬وهويتها الثقافية؟‮! ‬فلماذا نستغرب الجريمة‮ »‬الأجنبية‮« ‬بيننا ؟‮! ‬هل نجحنا في‮ ‬بناء الغيتو السكاني‮ ‬بجدار عنصري‮ ‬لكي‮ ‬نعزل حياتنا الهادئة عن مجتمع الجريمة؟ مع كل محبتي‮ ‬وألمي‮ ‬الإنساني‮ ‬العميق لفقدان عائلة الدوسري‮ ‬لابنها إذ كان بالإمكان أن‮ ‬يكون شخصاً‮ ‬آخر مكانه فيما لو حدثت ظروف وشروط مماثلة‮.‬