طبيعي أن تثار كل هذه الردود من الفعل على الجريمة البشعة التي راح ضحيتها المواطن البحريني المرحوم محمد حسن عيسى الدوسري، والتي اقشعرت الأبدان من الطريقة الوحشية التي تمت بها على يد عامل بنغالي . وطبيعي أيضاً أن تجري المطالبة بإنزال حكم الإعدام بالقاتل وأشد العقوبات على من يثبت أنهم اشتركوا في ارتكاب هذه الجريمة. ومن شأن هذه الجريمة البشعة أن تطرح للنقاش مجدداً موضوع العمالة الأجنبية، والآسيوية منها تحديداً، في بلداننا للنقاش من أوجهه المختلفة، لا من وجهٍ واحد فقط، كما نلمس ذلك في الكثير من المعالجات الصحافية والنيابية التي قرأناها أو سمعنا عنها في الأيام أو الأسابيع الأخيرة. بعض هذه المعالجات ذهبت إلى حد المطالبة بإبعاد كل البنغاليين عن البحرين، وهو أمر يدفعنا لطرح السؤال التالي: لو أن مرتكب هذه الجريمة البشعة كان عربياً، فهل سنطالب بإبعاد كل من ينتمي إلى جنسية هذا العربي من البلاد، والسؤال نفسه يصح لو أن القاتل كان هندياً أو باكستانياً، فهل علينا طرد كل الهنود أو الباكستانيين المقيمين معنا؟ هل يجوز إنزال العقوبة الجماعية بشعب أو جالية بكاملها، لأن أحد أفرادها ارتكب جريمة مهما كانت هذه الجريمة بشعة، فالجريمة في كل مكان هي سلوك فردي خاص بالشخص الذي يُقدم عليها، ولا توجد على الأرض شعوب تحترف الإجرام، وحتى إذا تضافرت منظومة من العوامل في مجتمع من المجتمعات تؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة، فيجب البحث في جذور هذه العوامل، وإصلاح التربة الاجتماعية والمعيشية التي تهيء الظروف لذلك، فلا يوجد باحث رصين أو جهة مسؤولة يمكن أن تذهب لتوصيف شعب من الشعوب بأنه يحمل جينات الجريمة في دمه. المطالبة بإبعاد البنغاليين، أو سواهم من البحرين، لا تنطلق من مجرد ردة الفعل التي تبدو مفهومة من جريمة ارتعدت منها الفرائص، وإنما تنم عن نظرة عنصرية، استعلائية تجاه شعب آخر، غريبة عن روح التسامح التي يجب أن نتحلى بها. الأجدى من هذه الدعوات الانفعالية التبصر الجدي في وضع العمالة الآسيوية في البلد، التي هي جزء من ظاهرة خليجية أشمل، والتفكير بمسؤولية في مستقبل التنمية في البلد من زاوية الاعتماد على هذه العمالة التي على عاتقها يقع العبء الأكبر في تشييد الأبراج وفي ردم مساحات البحر الشاسعة وفي إدارة الكثير من مرافق الدورة الاقتصادية والخدمات الضرورية لكل منا، التي تبدأ من إصلاح حنفية البيت التي تسرب الماء لتغطي سلسلة من التفاصيل التي لو عددناها لضاقت هذه الزاوية عليها.