في ندوة العمالة الباكستانية «بمركز الدراسات«
كتب: مكي حسن
أعرب الدكتور إيجاز شافي جيلاني رئيس معهد جولاب في الباكستان عن دهشته من عدم حصول تغيير جذري في التركيبة العمالية المهاجرة من دول آسيا وخاصة الهند وباكستان إلى دول مجلس التعاون الخليجي بحثا عن العمل والاستقرار خلال السنوات الثلاثين الماضية.
واستدرك قائلا ان عدد العمالة الباكستانية قد تصاعد من 100 ألف عامل في السنة يهاجرون إلى دول مجلس التعاون الست مطلع سبعينيات القرن الماضي ووصل إلى 200 ألف عامل في السنة وذلك حسب إحصائيات عام 2006 وذلك بحكم حجم الزيادة التي طرأت في الوقت ذاته على سكان باكستان حيث كانت قرابة 70 مليون بعد الانفصال عن الهند فيما بلغ عدد سكانها حاليا 150 مليونا من البشر. جاء ذلك في الندوة التي عقدت بمركز البحرين للدراسات والبحوث مؤخرا وتناولت دراسة عن العمالة الباكستانية بمنطقة الخليج العربي وأدارها الدكتور عبد الله الصادق الامين العام للمركز وحضرها عدد من المدعوين ذوي الاختصاص بالإضافة إلى الباحثين بالمركز، وقال الدكتور الصادق ان الدكتور جيلاني قد حصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من معهد ماسوشسيس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1977 وترأس دائرة العلاقات الدولية في جامعة قائد عزام وعمل مستشارا لرئيس وزراء باكستان من 1991 إلى 1993 وأسس جول آب باكستان وقام بالعديد من البحوث والدراسات وقام بزيارات لدول المنطقة إلا ان زيارته لمملكة البحرين تعد الأولى.
مليونا عامل وقال الدكتور إيجاز صافي أن موضوع الحديث اليوم قد نال اهتمامه الكبير وأخذ منه جل الوقت في تتبع لمسألة هجرة العمالة الباكستانية إلى دول الخليج الست وبنسب مختلفة إلا ان العدد الإجمالي يصل إلى مليوني عامل وموظف باكستاني بدول الخليج مشيرا إلى ان التغييرات الاقتصادية والسياسية التي حصلت بالمنطقة إبان سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي هي الدافع الأساسي لقدوم هذه العمالة.
وقال مما لاشك فيه أن كل شيء تغير بدول المجلس فأين تلك القبور التي كانت توجد في البحرين عبر التاريخ فلقد تحولت المنامة إلى عاصمة للمال والأعمال وأصبحت تستوعب العديد من العمالة من مختلف الأوطان والأديان والثقافات، وهذه الظاهرة لا توجد إلا في المدن الكبيرة مثل لندن ونيويورك وباريس.
وذكر ان بداية الانطلاقة بدول مجلس التعاون كانت في السبعينات وكان السكان الأصليون يشكلون مابين 20% إلى 40% من إجمالي عدد السكان وقتها والباقي هم أجانب جلهم من الجالية القادمة من شبه القارة الهندية.
وكما ذكر ان حديثه حول هجرة العمالة الباكستانية الى دول المجلس سيتركز على نقاط منها: تركيبة العمالة الباكستانية وهجرتها وإعدادها وتحول المدن الصغيرة بدول الخليج إلى مدن كبيرة متعددة الهويات والثقافات بالإضافة إلى التشابه بين مدن الخليج كدبي والمنامة مقارنة بالمدن الكبيرة في أوروبا والتي سبقتها بقرون في الظهور والتوسع ومتى ظهرت دول الخليج كقوة اقتصادية ومالية.
عمالة ماهرة وغير ماهرة وأماط الدكتور صافي جيلاني اللثام عن عدد العمالة الباكستانية الماهرة وغير الماهرة التي هاجرت من بلادها وجاءت لدول الخليج الست خلال السنوات الاربعين الماضية قائلا بأنها 4 ملايين نسمة يوجد منها مليونين ما زالوا يعملون بهذه الدول فيما عاد مليونان إلى باكستان مع العلم أن إجمالي عدد العمالة الآسيوية القادمة من الهند وباكستان والفلبين إلى دول المجلس قد بلغ 10 ملايين نسمة مليونان منها من الباكستانيين وهذا الرقم من المؤكد أنه كبير في نسبة العمالة لكنه صغير مقارنة مع حجم سكان باكستان. وبالنسبة الى البحرين فإن العمالة الأجنبية تمثل نسبة 70% من السكان في الوقت الراهن مقارنة بـ50% قبل 30 عاما أي ان العمالة الوطنية تراجعت إلى 30% وقس على ذلك باقي دول المجلس ففي قطر والإمارات تتجاوز نسبة العمالة الآسيوية العمالة الوطنية بأكثر من 70 بالمائة فيما تقل في السعودية وعمان والكويت.
وكان محور تركيبة العمالة الباكستانية هو المحور الثاني في الحديث عن العمالة الباكستانية، وقال: إن 10% عالية المهارة و90% الباقية تنقسم مابين ماهرة وغير ماهرة 50% لكل منهما، ويقدر العدد الذي يأتي الى دول الخليج سنويا بـ 100 ألف عامل وموظف سنويا قبل أكثر من 30 سنة وارتفع حاليا إلى 200 ألف عامل وموظف في السنة.
توظيف العمالة الوطنية وحول موضوع التشابهات في السياسات العمالية بدول المجلس ذكر أنها متشابهة وخاصة مع دعوات السعودة والبحرنة والعومنة وزيادة توظيف العمالة المحلية، إلا انه ورغم هذه الدعوات ظلت العمالة الآسيوية متصدرة ومتقدمة على العمالة المحلية أو ما يعرف بالعمالة الوطنية رغم مضي أكثر من عقدين على طرح وتبني هذه التصورات مما يعني بقاء التركيبة العمالية الأجنبية على نفس المنوال.
واسترسل في القول بأن الأمر الآخر موضوع التشابه بين المدن الكبيرة هو الشعور بالأمان، وقال لا ازدهار وتنمية اقتصادية وتطورات اجتماعية في أجواء عدم الأمان وهذا هو ما كان يبحث عنه العاملون القادمون فوجدوا الوظيفة والأمان إلى حد كبير بدول المجلس، وشدد المتحدث على أهمية هذا العنصر في ديمومة تدفق العمالة الأجنبية على دول الخليج ومنوها في الوقت ذاته إلى التشريعات التي طرأت على القوانين العمالية لصالح العمالة بشكل عام وخاصة بعد حصول دول المجلس على استقلالها وسيادتها توج ذلك بحصول تغييرات لصالح العاملين.
سياسة الإنفتاح وكان التغيير الذي حصل في مجالين هما الداخلي والخارجي، فبالنسبة الى الظروف الداخلية لم تعد هذه البلدان أو هذه المدن الكبيرة التي استوعبت عددا هائلا من العمالة للعمل أو السكن فيها تفكر في خدمة مواطنيها فقط فانفتحت على العالم وفتحت أسواقها للأسواق الخارجية والاستثمارات العالمية وهذا ما نراه خصوصا في دبي والبحرين حيث استطاعت كلاهما استقطاب العديد من المؤسسات المالية والبنوك وشركات التأمين والعقارات والإنشاءات وغيرها وانعكس ذلك على تركيبة سكانية ممتزجة بثقافات أخرى.
وكشف قائلا: أبعدت هذه التحولات المدن الكبيرة الخليجية عن الطابع التقليدي وأصبحت سيادتها واستقرارها جزءا من السيادة العالمية والاستقرار الدولي وخصوصا أنها تفاعلت مع أطروحات العولمة وما تقتضيه من تحرر وانفتاح على العالم، وقال ان هذا الانفتاح والتفاعل الذي حصل في المدن الخليجية هيأها لأن تكون مدنا كبيرة وعالمية تضاهي بأسواقها ومؤسساتها الخدماتية اسواق لندن وباريس ونيويورك وغيرها من مدن العالم الغربي مشيرا إلى ان هذه المدن الكبيرة الغربية لم تصل إلى العالمية لو لم تقتنع بالتعددية العمالية والدينية والثقافية واستقبالها لتوظيف وتوطين عدد كبير من العمالة المهاجرة وعلى سبيل المثال يتكلم في نيويورك 28% من سكانها لغات اخرى غير اللغة الإنجليزية في سكنهم وهكذا الحال تجده في لندن وباريس وبرلين وعلى هذا الأساس استطيع القول بأن هناك تشابها كبيرا بين المدن الخليجية والمدن الكبرى في العالم. اقتصاد خدماتي كما تطرق إلى شيء آخر في عرض حديثه عن التشابهات الموجودة بين المدن الخليجية والمدن الرئيسية الكبرى في العالم في اشتراكها في اقتصاد خدماتي وليس زراعيا أو صناعيا بقدر وجود مؤسسات المصارف والتأمين والمعلوماتية والفنادق وبيوت الثقافة وهذا ما يحصل أو بالأحرى ما تتجه إليه العديد من المدن الخليجية لتلحق بركاب المدن الكبرى في العالم مما أهل هذه المدن الخليجية لأن تكون ضمن شبكة من المراكز والأسواق العالمية، وقال الدكتور جيلاني إن هذه التداخلات هي التي جعلت هذه المدن يتداخل فيها الشأن الداخلي بالخارجي مع العلم أن المدن الصغيرة يسهل عليها التوسع فيما يتعذر ذلك على المدن الكبيرة.
وأكد في ختام حديثه عن المدن الكبيرة ومستقبلها وتطورها ان الأمر مرهون بالمحافظة على التمازج الإثني والتعدد الثقافي ودعا إلى إتاحة المزيد من الفرص للعمالة المهاجرة وذلك باعتبار أنهم يمثلون فرصة مناسبة للتوسع والكبر.. وقال إن هذا التوجه هو الذي أبعد مدن كدبي والمنامة عن هويتهما التقليدية ونقلهما إلى الهوية العالمية.