نقص العمالة الأجنبية يهدد اقتصاد الخليج
تحقيق: نوال عباس
توقعت دراسة حديثة أن يصيب مشاريع التنمية الكبرى في دول الخليج نقص في الايدى العاملة يبلغ نحو خمسة ملايين عامل على مدى السنوات الخمس القادمة وذلك نتيجة النمو الاقتصادي الآسيوي الكبير وخصوصا في الهند الذي أدى إلى زيادة رواتب هذه العمالة بشكل كبير في موطنهم مما يعني أنهم ليسوا حريصين على العمل في الخليج، وجاء في الدراسة التي عرضت في منتدى نظمه معهد ادارة المشاريع أن السعر الإجمالي للمشاريع النشطة والمخططة لها في الخليج تقدر بنحو 9،1 تريليون دولار التي تعتمد بصورة كبيرة على العمالة الآسيوية الماهرة. وفي استطلاع قامت به «أخبار الخليج« تخوف رجال الأعمال من أن الحركة الاقتصادية الآسيوية الكبيرة تعمل على استقطاب العمالة الآسيوية المدربة في الوقت الذي لا يمكن الاستغناء عن خدماتها في الخليج نتيجة الطفرة العمرانية الكبيرة، بينما طالب البعض الأخر بتحسين ظروف العامل وعدم خسارته بدل الحصول على بديل آخر غير مدرب، بينما أكد الاقتصاديون ان الدول الآسيوية لا يمكنها استيعاب الأعداد الهائلة من عمال الخليج لأنها تعاني العمالة الفائضة، وطالبوا بأن يكون التعامل مع العمالة الأجنبية المؤقتة حتى لا يؤثر ذلك في التركيبتين الديموغرافية والاقتصادية للبلاد، بينما اعتبر النقابيون أن الرواتب المتدنية وسوء المعاملة من أصحاب العمل للعامل الأجنبي سبب وراء هروبه من الخليج، وطالبوا بتحسين ظروفه لصعوبة استغناء الخليج عن العمالة المدربة منذ 30 عاما، بينما في الجانب الآخر أكد خبراء العمل أن 80% من العمالة الأجنبية غير مدربة، وانه يجب تغيير البنية التحتية الاقتصادية التي تعتمد على الربح السريع وكثرة الايدي العاملة واللجوء إلى المشاريع التي تعتمد على البرمجيات والمشاريع التكنولوجية، وتدريب البحرينيين ليحلوا محل الأجنبي في المستقبل.
تفاصيل القضية نسردها من خلال التحقيق التالي: ذكاء العمالة سعيد الحواج (المدير التنفيذي لمجموعة شركات علي بن ابراهيم عبدالعال) علق: ان الاحتمال وارد في نقص العمالة خلال السنوات الخمس القادمة وخاصة أن الهند تعيش طفرة اقتصادية كبيرة كما هو الحال في تايلند والفلبين، ولكن ليس في كل المهن، ومن الملاحظ أن هناك اعتمادا من دول الخليج على العمالة الهندية من الدرجة الأولى، وبنجلاديش وسريلانكا، وهناك توجه في الوقت الحاضر إلى استقدام عمالة من فيتنام، ولكن هناك بعض من العمالة الآسيوية يفضلون العمل في الخارج، ولكن التخوف من أن الشركات الكبيرة في الهند تعمل على استقطاب عمالة دول الخليج لأنها عمالة مدربة وماهرة وتعرض عليها رواتب عالية، وخاصة اننا نعاني في الوقت الحاضر ارتفاع الرواتب من دول المنشأ.
وأضاف: ان التغييرات محتملة ويجب على رجال الأعمال الأخذ في الحسبان النظر إلى البدائل للعمالة الآسيوية والتوجه إلى البلدان الأخرى وقد تكون بلدان عربية لأننا نعيش طفرة عمرانية وهناك كثير من المشاريع الكبيرة في الوقت الحالي.
وأضاف: نتيجة العرض والطلب في ظل الطفرة العمرانية، استغلت العمالة الآسيوية ذلك في الفترة الأخيرة عندما علموا بأنهم يشكلون 70% من العمالة في البحرين وبدأوا التمرد بعد أن كانت عمالة هادئة بالاضافة إلى تصريحات السفير الهندي التي تعتبر محرضة بالنسبة إليهم، والذي لوح بتحسين حياتهم المعيشية، مما جعل كثيرا من العمال الأجانب يلجأون إلى الإضرابات في العمل ذكاء منهم مما اضطر كثير من الشركات الى زيادة رواتب العمال لأنهم مرغمون على ذلك (مكره أخاك لا بطل) لان الشركات ملزمة بدفع غرامات لذلك تتحمل تمرد العمالة، ولعدم وجود بديل آخر بالاضافة إلى سمعة الشركة له دور في ذلك، لذلك يجب الاهتمام بالعامل بدل خسارته. وأضاف: كذلك يمكن الاتجاه إلى التكنولوجيا في بعض الأعمال مثل البنوك والشركات وبذلك يمكن الاستغناء عن العمالة بدرجة كبيرة.
ذكاء العمالة ولم يتفق المقاول نظام كمشكي مع الدراسة بحجة أن العامل الأجنبي يتمنى العمل في دول الخليج لأنه يحصل على رواتب جيدة مقارنة بدولته.
وأضاف: هناك مئات الملايين من العمال الأجانب الذين ينتظرون العمل في الخليج، ودول الخليج تحتاج إلى حوالي 3 ملايين عامل أجنبي خلال السنوات القادمة للمشاريع القادمة.
وأشار كمشكي إلى عدم احقية العامل الأجنبي في الإضرابات لان هناك عقدا بين صاحب العمل والعامل، ويمكنه طلب حقوقه فإذا لم يحصل عليها يمكنه ترك العمل من دون مشاكل، ولكن أحيانا تكون هذه حركات ذكاء من العمالة حتى يحصلوا على ما يريدون متناسين أن المقاول يعاني الأمرين من ارتفاع أسعار مواد البناء وفرض رسوم جديدة على العمالة.
وأشار كمشكي إلى أنه يمكن حل المشكلة بالاتجاه إلى استيراد عمالة من النيبال وفيتنام وباكستان كبديل للعامل الهندي موضحا أن هناك بعض مكاتب الخدم قامت بذلك مؤخرا.
تدريب البحرينيين بينما اتفق نبيل محمد أمين (رجل أعمال) مع الدراسة وقال: ان الهند تشهد تطورا اقتصاديا كبيرا ينافس الاقتصاد الأمريكي وبالتالي سيكون هناك حاجة للأيدي العاملة وتحسن في مستوى المعيشي للعمالة في حالة رجوعها إلى ديارها، وفي الوقت ذاته نجد في دول الخليج من الصعب الاستغناء عن العمالة الآسيوية وخاصة الهندية التي تأتي من جنوب الهند لأنهم عمالة مدربة جيدا و يملكون حرفية في مجال الكهرباء وهي أفضل من العمالة من الجنسيات الأخرى، لذلك يجب تدريب العمالة البحرينية لتحل محل العمالة الأجنبية.
عمالة مؤقتة د. حسن العالي (اقتصادي) علق: ان الدراسة ليست بالضرورة تكون صحيحة 100%، لانه خلال خمس سنوات سيشهد العالم انتعاشا اقتصاديا وبشكل خاص في الهند، ولكنه لا يمكنه أن يستوعب العدد الكبير من العمالة الهندية التي تقدر بـ90 مليون عامل في دول الخليج.
وأضاف: كذلك يمكن ان نلجأ إلى التعويض عن هذه العمالة من دول أخرى مثل بنجلاديش وباكستان وفيتنام، والمطالبة بالبدء في التفكير في العمالة العربية فهي أولى للعمل في دول الخليج من غيرها مثل مصر والسودان، والمغرب العربي ويجب أن ينفتح دول الخليج على الأسواق العربية وهذا جزء من جهود التكامل الاقتصادي العربي.
وأضاف: كذلك حتى لو فرضنا أن دول الخليج تحتاج إلى عمالة كبيرة خلال السنوات القادمة يجب النظر إلى حاجات العمالة بأنها عمالة مؤقتة وليست دائمة حتى لا ثؤثر في التركيبة السكانية والديموغرافية ويكون لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسلبية لأنه من الملاحظ أن العمالة الأجنبية في دول الخليج تزداد بشكل كبير بما فيها مملكة البحرين التي وصل عدد الأجانب فيها إلى نصف السكان وتمثل العمالة الاجنبية حوالي 75% بينما العمالة الوطنية تمثل الباقي وهذه مؤشرات خطرة يجب أن تدفع المختصين إلى التعامل مع العمالة الأجنبية بحذر شديد.
تغييرالبنية الاقتصادية وأشار عبدالجليل النعيمي (باحث اقتصادي) إلى أن هذه المشكلة ستواجه دول الخليج في المستقبل القريب لان معظم الفائض من العوائد النفطية (إذا سميت فوائد) تصب في قطاع الإنشاء أكثر من أي قطاع آخر وبالمقابل ستوجد طلبا كبيرا على الأيدي العاملة الأجنبية، أما الآن فإن هذا الطلب سيواجه شحا في العرض من جانب الدول المصدرة، مثل الهند التي كانت تعتمد على تصدير العمالة والسلع والخدمات، ولأنها تعيش نموا اقتصاديا كبيرا في الوقت الحاضر مما أدى إلى ازدياد طلب على الايدي للعاملة المهاجرة، واستهلاك المنتج المحلي. يواصل: ولحل هذه الأزمة يجب من بداية الألفية الاتجاه إلى تغيير بنية الاقتصاد الخليجي التي تعتمد على قطاع الإنشاءات السريعة الربح والعمالة الأجنبية الرخيصة لذلك يجب الرجوع إلى قطاعات تعتمد على قطاعات أعلى وقلة في الايدى العاملة مثل صناعة البتروكيماويات والبرمجيات، بالاضافة الى تدريب العامل البحريني لاستيعابه في المستقبل بدلا من العامل الأجنبي ، وهذا يكون بالتعاون بين القطاع الخاص والدولة للتوجه نحو اعادة البناء الاقتصادي.
استعباد العمالة محمد على مكي (الأمين العام المساعد للقطاع الخاص في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين) علق: لقد لمسنا ملامح هذا التوجه منذ سنة تقريبا عندما رفع بعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية رواتب العمال الأجانب بالاضافة لانخفاض صرف العملة الهندية المرتبطة بقيمة الدينار مع انخفاض الرواتب أدى إلى عزوف كثير من العمالة الآسيوية من العمل في الخليج.
وأضاف: كذلك سوء التعامل مع العمالة الأجنبية والأوضاع في دول الخليج جعلت هذه العمالة تفكر في الرجوع الى بلدها خاصة بعد ان تدربت وأصبحت قادرة على الحصول على رواتب أعلى في بلدانهم التي تشهد طفرة اقتصادية كبيرة.
ونفى مكي امكانية استغناء دول الخليج عن العمالة الأجنبية لأنها مدربة منذ أكثر من 30 سنة وقال : إذا اتجهت دول الخليج لاستقدام العمالة من دول أخرى فسنعيش مثل بداية الطفرة الاقتصادية لأن العمالة ستكون غير مدربة ، وهذا ليس حلا لأن مشكلة العمالة الأجنبية قنبلة موقوتة ممكن أن تنفجر في أي وقت، لذلك يجب وضع حد ادنى للأجور يضمن التعريف القانوني في تحديد الأجور ووضع معايير تراعي الوضع الاقتصادي للبلاد لأن الرواتب في البحرين تحت سطوة أرباب العمل وهناك نوع من الاستعباد للعامل الأجنبي.
واعتبر النقابي محمد أن المساواة في الرواتب بين العامل البحريني والأجنبي ستحل مشكلة البطالة لأن أصحاب العمل سيفضلون البحريني لأنه لن يكلفهم الكثير مثل الأجنبي الذي يحصل على الراتب مع السكن والفيزا والتذاكر والتأمين الصحي بالاضافة إلى الرسوم الجديدة التي فرضتها وزارة العمل ،بالاضافة إلى ضرورة وضع حد أدنى للأجور للمحافظة على استقرار الايدي العاملة.
عمالة غير ماهرة احمد الخباز (خبير عمالي) يقول: تعتبر دول الخليج من اكبر دول العالم المستوردة للعمالة الأجنبية بعد الطفرة النفطية في التسعينيات، أما بعد الألفية فقد شهدت دول الخليج حركة عمرانية متسارعة كبيرة مما تطلب جلب العمالة رغم أن 80% من هذه العمالة غير ماهرة ومعظمهم يعملون في قطاع الإنشاءات وفي المجال العمراني ولهذا نجد أن الدول المصدرة للعمالة تعتمد اقتصادياتها على الأموال المحولة من العمالة المستوردة.
وأضاف: كذلك شهدت البلاد في الوقت الحاضر تغييرات في أسعار النفط مما أدى الى تغيير في أسعار الدولار وتحويل الدينار مما أدى إلى زيادة نسبة التضخم في الدول المصدرة وبالتالي تنعكس آثار ذلك على أوضاع الأسر التي تنتظر المال، لذلك ظهرت المطالبة بتحسين الرواتب والإضرابات في الفترة الأخيرة، نتيجة عدة تراكمات للعامل الأجنبي منها وعود أصحاب العمل له براتب أفضل ومستوى معيشي أحسن، وهناك من يستفيد من ذلك في نشر ظاهرة إضرابات العمالة.
ولكن لا يعني ذلك ان العمالة ستعود الى بلادها لأن هناك فائضا عماليا في الدول الآسيوية رغم وجود الحركة الاقتصادية المتطورة. وأضاف: هناك كثير من الأمور يجب مراعاتها مثل إبرام عقود محددة وصريحة بين العامل وصاحب العامل، وان توضع أسس ومعايير دقيقة لجلب العمالة إلى البلاد، وان يكون هناك آليه من التواصل والحوار بما يتفق مع التشريعات المحلية لقانون العمل بالنسبة إلى العمالة الوافدة حتى نتفادى ظهور مشكلة نقص العمالة الأجنبية مستقبلا.